رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٨٩
لتحاشي فتنة الجمل، فلم يأل جهدا في بذل النصح للخارجين عليه، وتحميلهم مغبة وعواقب الحرب، فقد أرسل للناكثين رسولا يدعوهم للصلح ورأب الصدع.
كما التقى (ع) بالزبير وذكره بأمور جرت لهما في عهد رسول الله (ص)، منها قوله:
ما حملك على ما صنعت يا زبير؟ قال: حملني على ذلك الطلب بدم عثمان. فقال الإمام (ع): إن أنصفت من نفسك أنت وأصحابك قتلتموه، ولكني أنشدك الله يا زبير، أما تذكر، قال لك رسول الله (ص): يا زبير أتحب عليا؟ فقلت: وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي؟ فقال لك (ص): أما أنك ستخرج عليه وأنت ظالم له؟ فقال الزبير: اللهم بلى قد كان ذلك... اللهم بلى، ولكني قد نسيت ذلك، وبعد أن ذكرتنيه لأنصرفن! (1).
الإمام وفتنة أهل الشام.
على الرغم من الهزيمة الساحقة التي مني بها الناكثون لبيعة أمير المؤمنين (ع) في البصرة، فقد أطل قرن جديد للفتنة في بلاد الشام، قاده معاوية ضد الخليفة الشرعي والإمام (ع)، وحقا يقال: ما تجرأ معاوية على حماقاته هذه إلا حينما رأى عائشة والزبير وطلحة وقد أحدثوا وتسببوا في مقتل الآلاف المؤلفة من النفوس المسلمة.
بدأ الإمام ببذل مساعيه لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فأرسل وفدا ثلاثيا إلى معاوية يدعوه إلى تقوى الله، والحفاظ على وحدة الصف، والدخول في إجماع الأمة (2)، فما كان من معاوية إلا أن قال: انصرفوا عني فليس عندي إلا السيف (3)، ولما لاحت تباشير النصر لمعسكر الإمام (ع)، وأوشكت القوى الباغية على الإنهزام: دبروا خدعة رفع المصاحف على رؤوس الرماع والسيوف، مما نجم عن تلك الخطة الماكرة تغير جوهري في الموقف العام، وكان لرفع المصاحف من قبل معسكر معاوية صدى عميق في معسكر الإمام (ع): إذ سرعان ما سارت كثرة كاثرة من جيشه مطالبة بإيقاف القتال، فكثر اللغط بين الصفوف وآثر الآلاف ترك الحرب.
ومع أن الإمام تصدى لكشف خلفيات رفع المصاحف، واستعمل كل وسائله الإقناعية في البرهنة على كونها خدعة، يراد بها عرقلة تحقيق النصر الذي بات وشيكا لجيش الإمام (ع)، إلا أن المطالبين بإيقاف القتال لم يستجيبوا لنداءاته المتكررة في هذا المضمار، ولعل بعضهم استعمل لغة التهديد للإمام (ع) (4)، ثم تلى ذلك الفصل الثاني من المأساة، فاختارت

1 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 79، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 77.
2 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 87.
3 - المصدر نفسه.
4 - تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 96.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»