فكان، يجيبهم القوم بعد القوم والنفر بعد النفر (1).
وحيث أن مدة الاستعدادات للعمل العسكري استغرقت أكثر من ثلاث سنوات، فلابد أن الشيعة قد اتصلوا بالامام (ع)، وأخبروه بعزم الحركة فلم يمنعهم من نشاطهم، فيدل ذلك على رضا الإمام (ع) من حركة التوابين.
إذ من المستبعد عدم معرفة الإمام السجاد (ع) بنشاطهم، ومن المستبعد أن لا يشير بكلمة، أو بموقف عملي محدد يفهم منه قبوله لتلك الحركة، أو رده لها، وحيث أن الشيعة قد تجاوبت مع حركة التوابين، فهذا يكشف عن وجود موافقة من قبل الإمام السجاد (ع)، وإن لم يصلنا نص في هذا المجال، إذ لو صدر من الامام شئ ضد الحركة لوصل إلينا، كما وصل مثلا القدح بالمختار من قبل نفس الإمام السجاد (ع) على حسب ما يرويه المسعودي (2).
حيث أن طبيعة تفكير قيادات الحركة وأشخاصها مؤثرة في مسار الحركة، إذ أنها تتجه باتجاه تفكير قياداتها، وحيث أن تلك القيادات من الطراز الشيعي الذي أثبت ولاءه للإمام علي (ع) وللإمام الحسن (ع)، وقد خاض التجارب القاسية دفاعا عن هويته الشيعية، إذ فضلا عن الأشخاص الخمسة الذين تقدم ذكرهم، والذين عرفوا بتشيعهم الشديد، فقد انضم تيار الشيعة إلى هذه الحركة، فقد حدث أبو مخنف قال:.
حدثني حميد بن مسلم قال: والله إني لشاهد بهذا اليوم، يوم ولوا سليمان بن صرد و أنا، يومئذ لأكثر من مئة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره (3).
أقول: حيث كل ذلك متوفر في الحركة فلا بد أن يكون نشاطها وأهدافها، ينطبق مع العقلية الشيعية الموالية لأهل البيت (ع) فتكون مرضية للإمام (ع)، وإن لم يصدر من عنده.
إن طبيعة أهداف تلك الحركة تضفي الشرعية عليها، فقد خطب سليمان بن صرد وهو يحدد هدف الحركة قائلا:.
إنا كتبنا إلى الحسين بن علي فجاء وأخذ يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه، اتخذه الفاسقون غرضا للنبل، ودرية للرماح حتى أقصدوه، وعدوا عليه فسلبوه، ألا انهضوا فقد سخط ربكم، ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله، والله ما أظنه راضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا (تهلكوا)، ألا لا تهابوا الموت، فوالله ما هابه امرؤ قط إلا ذل (4).
فهذا الهدف الذي طرحه قادة الحركة، وتجمعت القوات الشيعية على أساسه: يكشف عن رضا الامام بها، فالثأر لدم الحسين (ع) الذي سعت الحركة للأخذ به كاف لإثبات مشروعيتها، إذ لا شك في أن قيادات الحركة وجنودها كانوا مخلصين في رفع هذا الشعار، والقضاء على قتلة الإمام الحسين ورموز فاجعة كربلاء.
ومن جهة أخرى فإن التحرك في إطار هذا العنوان مما يرضى عنه الإمام السجاد (ع)، إذ طالما دعا الله في القضاء على قتلة أبيه وأهله.