رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٠٩
فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاني الأمر بعده (1).
وفي موقف له مع حبيب بن مسلمة، قال له: رب مسير لك في غير طاعة الله، فقال له حبيب: أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك، قال: بلى والله، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في أخرتك، ولو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا... الخ (2).
إن المتتبع لحياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بعد أبيه أمير المؤمنين علي (ع) و دوره الايجابي في تلك الفترة العصيبة التي عاشها المسلمون، في استنفار الجماهير، لنصرة الحق والذود عن الإسلام المحمدي الأصيل: يجد أن الإمام السبط (ع) قد صعق لواقع المسلمين، وأصيب بخيبة أمل، حين تكشف له الأمر بتشتت أفكار الناس، و إصابتها بالذهول والارتباك والوهن إثر دعوته للجهاد والتجهز للحرب وتحمل المسؤوليات.
فقد برزت معالم ضعف الرصيد الإيماني للكثير من الناس، والانقياد المتذبذب لأمره، والخضوع للإشاعات الملفقة والدسائس التي كان يحيكها معاوية وأذنابه.
كل تلك الأسباب وما سيتبعها قد دفعت الإمام السبط (ع) إلى وضع مصلحة الإسلام العليا فوق كل اعتبار، من دماء الناس وغيرها، بعد أن واجه الإمام السبط (ع) كل محاولات معاوية التي سبقت الحرب بنفس متعالية، لا تعرف إلا الحق ولا تطأطئ للباطل رأسا طرفة عين.
فالجيش الذي يقوده الإمام الحسن (ع) سادته البلبلة ودب فيه المرجفون والأذناب، حتى كاد أن يسلم الإمام (ع) لعدوه. وإليكم أهم الحوادث الأليمة التي ألمت بالإمام (ع) عبر مواجهته لغدر معاوية:.
1 - خيانة قائده على خط المواجهة - عبيد الله بن العباس - والتحاقه بمعاوية، ومعه ثلثا الطليعة التي كلفت بمواجهة العدو الزاحف: مما أثار موجة من الاضطراب والتفكك في معسكر الإمام (ع).
2 - إن القوات التي يقودها الإمام (ع) ذاته، كانت تتوزعها الشعارات والأهواء والمصالح والأفكار (3)، ومن بين هؤلاء أيضا الحاقدون على أهل البيت (ع)، الذين يتظاهرون بعكس ذلك، ومنهم أيضا عدد كبير من المتعاطفين مع الأمويين طمعا بالوعود المعسولة من جانب معاوية، وإلى جانب تلك الأمور، هو سريان السأم من القتال في معسكر الإمام (ع)، سيما وإن قطعاته المقاتلة سبق أن خاضت حروبا ثلاث مع أبيه الإمام علي (ع)، وهي لما تندمل جراحاتها بعد.
3 - إغداق معاوية الأموال الوفيرة على زعماء القبائل وأصحاب الحل والعقد في المجتمع العراقي، فتمكن من نقض عزائمهم وتثبيطها على مسايرة الامام السبط (ع) في مواجهة

١ - مروج الذهب ج ٢ ص ٤٣٢، والفتوح لابن أعثم ج ٤ ص ١٥١، والمناقب ج 4 ص 31.
2 - شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 18.
3 - راجع الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 161.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»