رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١١٥
والسنة، ولما آلت أمور المسلمين إلى أبي بكر بعد حادثة سقيفة بني ساعدة، انطلق الكثير من المسلمين آنذاك في اتباع كل من اعتلى مسند الخلافة، بغض النظر عن هويته و صدور النص عليه أو عدم صدوره، وصار المسلمون في دوامة من أمرهم بعد أن فقدوا رشدهم، مما أدى بهم إلى الخضوع في نهاية المطاف إلى حكام جور وظلمة متسلطين، همهم المال والجاه والكرسي، بعد أن وقفوا موقفا سلبيا من الإسلام والدعوة، وكانوا أعدى أعداء الرسالة المحمدية، وكان من أمرهم أن وضعوا الإسلام في جانب وأعادوا أمجاد الجاهلية، التي كانوا يفتخرون بها ويتبجحون بها، وإذا بالمسلمين جميعا والمؤمنين من الصحابة والتابعين أمام معاوية الطليق ابن الطليق، ومن ثم ولده يزيد.
ولما كان الإمام الحسين (ع) الخليفة الحقيقي المنصوص عليه من قبل جده رسول الله (ص)، والمسؤول الأول - في عهده - عن صيانة الرسالة وحفظ الشريعة: كان عليه القيام بكامل مسؤولياته تجاه هذه الأوضاع المتردية التي حلت بعامة المسلمين: للحيلولة دون القضاء على الرسالة المحمدية: كان عليه - صلوات الله وسلامه عليه - أن يصرخ في وجه الحكام الظلمة، ويقتلع جذور الظلم والجاهلية والتبعية العمياء لكثير من أبناء الأمة لكل من تسلط وجلس على منبر الخلافة.
وملحمة الطف العظيمة بكل أبعادها تعتبر من أعظم ما حفل به تاريخ الأمة الاسلامية، فلها ثقلها الكبير، وحجمها الضخم، وهي لم تظهر على الساحة مباغتة وبدون مقدمات ودون بواعث ومحركات، بل سبقتها - كما أسلفنا - عوامل كثيرة من حوادث وخطوب و شجون، أدت بالتالي إلى هذه الوثبة الفريدة، والتضحية الفذة، ووقوع هذه المجزرة الرهيبة الدامية.
إذن فالبواعث لنهضة الإمام الحسين (ع)، ومجزرة الطف كانت نتيجة ليوم تحول مجرى الحكم عن خط الرسالة، وانفصام عرى الاسلام آنذاك، وكان الذي يقلق الأمويين و يؤرقهم أن ينبري لملكهم العضوض، من يعكر عليهم صفو جوهم ويفوت عليهم الأمر، بعد أن عمت جرائمهم وانتشر نتن مخازيهم وورثوا عن معاوية بطانة السوء من ولاة وقضاة وقواد، وقد أحكم معاوية أمرهم كما أحكموا أمره.
وحقا كما قال الإمام الحسين: على الاسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد.
روى البلاذري قال: لما قتل الحسين (ع) كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية: أما بعد فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة، وحدث في الاسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم الحسين، فكتب إليه يزيد: أما بعد يا أحمق فإننا جئنا إلى بيوت منجدة، وفرش ممهدة، ووسائد منضدة، فقاتلنا عنها، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا، وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أول من سن هذا، وابتز واستأثر بالحق على أهله.
ومن الصور المعبرة لموقف الإمام الحسين (ع) من الحكام قبل نهضته المباركة:
1 - في جوابه] عليه السلام [للوليد بن عتبة والي المدينة حينما استدعاه لأخذ البيعة ليزيد، بعد هلاك معاوية: إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا يفتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل شارب الخمور، وقاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»