الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٩٣
المدينة قد جمعت (1) ونقل عنها هارون في روايته طائفة كبيرة بعضها طويل وفيها يصور بالأمثلة الصارخة مدى البعد بين حكومة عصره وبين نموذج الحكم كما رسمه الرسول والخليفتان الأول والثاني (أبو بكر وعمر). وكان يهدف إلى إفهام أهل المدينة أن ماضيهم كله يقضي عليهم بأن يكونوا على وفاق مع الخوارج في محاربة بني أمية ولكن أهل المدينة لم يستخلصوا النتيجة العملية لذلك ولم يساعدوا على إسقاط الحكومة الجائرة. وراح يقارنهم بآبائهم الذين تقبلوا الرسول وآووه ونصروه مع أن الناس كلهم كانوا أعداءه ولم يكن معه إلا قلة من الشباب والمغمورين. وما يقولونه الآن ضد الخوارج كان أهل مكة يعيرون به الرسول وهذه الكلمات كانت تستهوي نفوس السامعين - ولكن أبا حمزة لم يرفع علم الاسلام وحده في ميدان المعركة ضد حكومة بني أمية بل طالب أيضا كل فرد بأن يرعى الأوامر والنواحي الدينية الأخلاقية: فمن زعم أن الله يكلفنا ما لا طاقة لنا به فهو عدو الله وعدونا. وتشدد خصوصا في حد الزنا وشرب الخمر وكان يعجب بعمر بن الخطاب لأنه وقع حد الخمر في ثماني عشرة حالة دون اعتبار لشخص الشارب. وهذا أمر لم يكن يستهوي أهل المدينة لان المدينة كانت قد اشتهرت في ذلك العهد بأنها أشد بلاد الاسلام إغراقا في اللهو والمجون. وعلى الرغم من اعترافهم بأن أبا حمزة يحكم بالعدل ويريد الخير للناس فقد كانت الأغلبية معرضة عنه ولكنه كسب لنفسه بعض الأنصار الذين لم يقتصروا على المساكين والفقراء من أمثال عبد العزيز بشكست النحوي القارئ وهو إيراني المولد بل كان فيهم أمثال أبي بكر بن محمد حفيد عبد الله بن عمر وابن حفيد عمر بن الخطاب الخليفة الثاني (الطبري 2 / 1012 س 9).
وكان لابد - من أجل القضاء على هذه الفتنة - من الالتجاء إلى أهل الشام مرة أخرى. ففي مستهل جمادي الأولى سنة 130 ه‍ زحف من أهل الشام جيش يبلغ أربعة آلاف معظمهم من القيسية متوجها إلى المدينة وهم بقيادة عبد الملك بن عطية من بني سعد هوازن (1) وكما حدث في مناسبة مماثلة أيام يزيد الأول دفع

(1) راجع فيما يتعلق بما يلي (الأغاني) (11 / 83 وما يليها) أيضا وهنا يذكر اسم عبد الملك كاملا وكان عطية أبا جده.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 97 98 99 ... » »»
الفهرست