أما الأشعث فقد استمر يلعب دور الوسيط المتحمس في وساطته حماسة من طبع على أنفه بالنار وبعد الفراغ من وضع المعاهدة ركب ودار في معسكر أهل العراق ليعلن مضمونها للجميع حتى بلغ جمعا من بني تميم البصريين. كان فيهم عروة ابن أدية الحنظلي وقرأ عليهم مضمون الاتفاق فلما رأى عروة أن مصير خلافة المسلمين قد صار بين أيدي رجلين صاح غاضبا: لا حكم إلا لله! وأهوى بسيفه على مؤخرة دابة الأشعث حتى وثبت وثبة عنيفة (1). فغضبت قبيلة الأشعث اليمنية من أجله على بني تميم وقام رؤساء بني تميم بينهم يهدئون من حفيظة الأشعث ولما عاد أهل العراق أدراجهم عم السخط بينهم على نتيجة هذه المعركة. بل إن الذين دفعوا عليا إلى وقف القتال أخذوا عليه أنه ترك أمر الخلافة إلى هوى متفاوضين.
فدب النزاع العنيف بينهم وبين أنصاره المخلصين. ولاموا هؤلاء الأخيرين على تأييدهم لعلي حتى لو ضل السبيل وما هم إذن إلا عبيد شأنهم شأن أهل الشام الذين اتبعوا معاوية في كل الأحوال دون أن يتساءلوا ما إذا كان على صواب؟..
فكانت عودة أهل العراق إلى الكوفة عودة أليمة أشد إيلاما من عودة جيش مهزوم لان النصر الذي كلف من الدم ثمنا غاليا قد تبدد بأرخص الأثمان. وكانت شكوى أهل القتلى مثار حزن شديد في فؤاد علي بينما كانت سخرية (أنصار عثمان) صريحة جرحت نفسه: فاغتبط المنافقون واغتم المخلصون وانفصل عن علي اثنا عشر ألف رجل أبوا العودة معه إلى الكوفة وساروا إلى قرية حروراء (2) تحت لواء التحكيم: لا حكم إلا الله! ومن هنا سموا باسم: (المحكمة). ولكن يطلق عليهم عادة اسم: (الحرورية) أو بلفظ أعم: (الخوارج) (3).