التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٥٠
فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفسا بفدية 1 أو أعانتهم بمعونة، أو أحسنت إليهم صحبة..؟ بل أرهقتهم بالقوادح 2 وأوهقتهم بالقوارع 3 وضعضعتهم بالنوائب 4، وعفرتهم للمناخر 5، ووطئتهم بالمناسم 6، وأعانت عليهم ريب المنون.
فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها 7 وآثرها وأخلد إليها 8 حين ظعنوا عنها لفراق الأبد... أفهذه تؤثرون؟ أم إليها تطمئنون؟ أم عليها تحرصون؟
فبئست الدار لمن لميتهمها، ولم يكن على وجل منها.
فاعلموا - وأنتم تعلمون - بأنكم تاركوها وظاعنون عنها، واتعظوا فيها بالذين قالوا (من أشد منا قوة..) 9 حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا 10. وأنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفانا 11، وجعل لهم من الصفيح 12 أجنان 13 ومن التراب أكفان...
استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة... 14.
* ركز الإمام عليه السلام في هذه الخطبة الوعظية - كما هو شأنه في معظم مواعظه - على عاملين ثابتين في طبيعة الحياة على هذه الأرض:

(1) لم تدفع عنهم الدنيا بلاء الموت.
(2) أرهقتهم: أتعبتهم. والقوادح: جمع قادح، مرض يصيب الأسنان والشجر. أراد به هنا المصائب والنكبات.
(3) الوهق: حبل تصطاد به الفريسة، والقوارع: المحن. أراد أنهم أسرى مشاكلهم المادية والاجتماعية.
(4) ضعضعتهم: جعلتهم قلقين، وحرمتهم الاستقرار وطنب العيش.
(5) عفرتهم: العفر التراب، مرغت آنافهم بالتراب، كناية عن إذلالهم.
(6) المنسم: خف البعير، كناية عن إذلالهم.
(7) دان: خضع.
(8) أخلد: إطمأن.
(9) سورة فصلت (رقم 41 مكية) الآية: 15.
(10) لا يدعون ركبانا لأنهم مقهورون ولم يحملوا مختارين. ولا يدعون ضيفانا لأنهم يقيمون في قبورهم.
(11) الأجداث: القبور.
(12) الصفيح: الوجه من كل شئ له مساحة، والمراد هنا الأرض.
(13) أجنان: جمع جنن - بالفتح - القبر.
(14) نهج البلاغة - رقم الخطبة: 111.
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 47 48 49 50 51 52 55 56 57 ... » »»