التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٤٩
أن تمسي له متنكرة، وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمر منها جانب فأوبى 1 لا ينال امرؤ من غضاريها رغبا 2 إلا أرهقته من نوائبها تعبا، ولا يمسي منها في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف 3. غرارة ما فيها، فانية، فان من عليها، لا خير في شئ من أزوادها إلا التقوى.
من أقل منها استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه 4، وزال عما قليل عنه.
كم من واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعته، وذي أبهة قد جعلته حقيرا 5، وذي نخوة قد ردته ذليلا 6.
سلطانها دول 7 وعيشها ريق 8، وعذبها أجاج 9، وحلوها صبر 10، وغذاؤها سمام 11 وأسبابها رمام 12.
حيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، وموفورها منكوب 13 وجارها محروب 14.
ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا وأبقى آثارا، وأبعد آمالا، وأعد عديدا. وأكثف جندا؟ تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار، ثم ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ، ولا ظهر قاطع 15.

(1) أوبى: صار كثير الوباء.
(2) الغضارة: النعمة، والرغب: الرغبة، والمرغوب فيه.
(3) القوادم: جمع قادمة، ريش في مقدم جناح الطائر.
(4) يوبقه: يهلكه.
(5) أبهة: عظمة.
(6) النخوة: الافتخار.
(7) دول - بضم الدال - المنحول.
(8) الريق: الكدر.
(9) أجاج: شديد الملوحة.
(10) الصبر: عصارة الشجر المر.
(11) سمام: جمع سم، وهو مثلث السين.
(12) الرمام: جمع رمة - بالضم، القطعة البالية من الحبل، ومنه (ذو الرمة).
(13) موفورها..: من كان عنده وفر (كثرة) من الدنيا معرض للمصائب والنكبات.
(14) محروب: المحروب من سلب ماله.
(15) ظهر قاطع: وسيلة تقطع براكبها الطريق بأمان وتبلغه غايته.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 47 48 49 50 51 52 55 56 ... » »»