ومن هنا كان توجيهه بشأن الخوارج الذين تمظهرت فيهم الفتنة بمظهر الرفض المطلق للأنظمة القائمة، ومن ثم فهم مؤهلون لأن يشكلوا قوة مزعجة لنظام الفتنة المنتصر.
لقد نهى الإمام عن قتال الخوارج من بعده، مع إنه، هو، قاتلهم في خلافته، - لأنهم - حين قاتلهم وقتلهم في النهروان بعد أن رفضوا كل عروض السلام، وبعد أن رفضوا التخلي عن مواقفهم - كانوا يمثلون قوة هادمة لنظام عادل، أما في نظام الفتنة فإنهم يمثلون قوة شالة وشاغلة لهذا النظام الجائر المنحرف عن أن يمارس طغيانه المادي والسياسي، وينفذ خطط التحريف العقيدي والشرعي. قال عليه السلام:
لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه (1).
وقد كان عليه السلام يرى الثورة آتية.
إنه لا يصف هذه الثورة بأنها عادلة مستقيمة، أو ظالمة مفتونة، وإنما يرى أن نظام الفتنة المنتصر لا يتمتع طويلا بانتصاره واستقراره، بل ستسلب منه لذة النصر وحرية الحركة التي يتيحها النصر والاستقرار السياسي والاجتماعي، ثورات دامية تتوالى فتقضي في النهاية على فتنة بني أمية، وتزيل ملكهم.
قال، وهو يحدث جمهوره عن الفتنة وانتصارها، والمعاناة من ويلاتها وشرورها:
... ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم (2)، بمن يسومهم خسفا (3)، ويسوقهم عنفا، ويسقيهم بكأس مصبرة (4)، لا يعطيهم إلا السيف، ولا يحلسهم إلا الخوف (5) فعند ذلك تود قريش - بالدنيا وما فيها - لو يرونني مقاما واحدا، ولو قدر جزر جزور، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه (6).