التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٩٨
وهذا لا يعني - بطبيعة الحال - أن تأميل الإنسان في مستقبله - باعتدال وواقعية - ممارسة غير أخلاقية في الإسلام، كيف وقد حذر الله تعالى في القرآن الكريم من اليأس ونهى عنه في آيات تذكر برحمة الله وروح الله، ومن ذلك تعليم يعقوب سلام الله عليه لبنيه حين أمرهم بالبحث عن يوسف وأخيه، وذلك كما ورد في قوله تعالى:
يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله.
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (1).
فإن يعقوب طبق مبدأ مشروعية الأمل العام المطلق على حالة فردية هي حالته وحالة بنيه.
وإذن، فالأمل، في نطاق الواقع، حقيقة كيانية في الإنسان، قد يكون فقدانها ظاهرة مرضية نفسية وليس علامة عافية.
هذا على الصعيد الفردي.
وأما على الصعيد الجماعي في الأمم والشعوب والجماعات فان الأمل عامل هام جدا وأساسي في تنشيط حركة التاريخ وتسريعها، وجعلها تتغلب بيسر على ما يعترضها من صعوبات ومعوقات.
والأمل الموضوعي القائم على اعتبارات عملية تنبع من الجهد الإنساني، واعتبارات عقيدية وروحية... هذا الأمل يشغل حيزا هاما وأساسيا في تربية الله تعالى للبشرية السائرة في حياتها على خط الإيمان السليم.
وقد اشتمل القرآن الكريم على آيات محكمات تتضمن وعد الله تعالى بالنصر والعزة لأهل الإيمان وقادتهم من الأنبياء والتابعين لهم بإحسان.
قال الله تعالى:
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (2).

(1) سورة يوسف (مكية - 12) الآية: 87.
(2) سورة المؤمن (مكية - 40) الآية: 51.
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»