التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٨٢
الداعية، وصال الدهر صيال السبع العقور 1، وهدر فنيق الباطل بعد كظوم 2 وتواخى الناس على الفجور، وتهاجروا على الدين، وتحابوا على الكذب، وتباغضوا على الصدق، فإذا كان ذلك كان الولد غيظا 3 والمطر قيظا 4 وتفيض اللئام فيضا وتغيض الكرام غيضا 5. وكان أهل ذلك الزمان ذئابا، وسلاطينه سباعا، وأوساطه أكالا، وفقراؤه، أمواتا، وغار الصدق، وفاض الكذب، واستعملت المودة باللسان، وتشاجر الناس بالقلوب، وصار الفسوق نسبا، والعفاف عجبا، ولبس الإسلام لبس الفرو مقلوبا 6.
في هذا النص فصل الإمام ملامح الفتنة عندما تنتصر، وتغلب على المجتمع، فتتسلط على مؤسساته، وتعمق جذورها فيه، وتبسط مفاهيمها وقيمها عليه.
ويمكن تلخيص هذه الملامح في النقاط التالية:
1 - تأصل روح الطغيان في الحكم، ونزعة التجبر والاستبداد في الحاكمين، وانحسار الروح الرسالية في مؤسسات الحكم.
2 - فساد العلاقات الإنسانية داخل المجتمع، وتدني المستوى الأخلاقي، وشيوع أخلاق المنفعة بين الناس. وما أروع قوله في تصوير جانب من هذه الظاهرة (واستعملت المودة باللسان، وتشاجر الناس بالقلوب).
3 - انحطاط مؤسسة الأسرة، وشيوع الإباحة الجنسية.
ويلخص ذلك كله قوله عليه السلام: (ولبس الإسلام لبس الفرو مقلوبا) وهذا كقوله في نص آخر:
أيها الناس، سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام كما يكفأ الإناء بما فيه 7.

(1) صال.. هجم للفتك والاعتداء.
(2) الفنيق: الفحل من الإبل، والكظوم الصمت والسكون - يعني أن الباطل بعد أن كان ذليلا صامتا، غدا، في الفتنة، عالي الصوت هادرا.
(3) بسبب الفتنة تفسد أخلاق الأجيال الشابة فيكونون سببا لغيظ أهلهم.
(4) القيظ: شدة الحر. يعني أن الأمور والسياسات تقع في غير مواقعها فلا تفيد بل تضر.
(5) غاض الماء في الأرض: اختفى وغار فيها. يعني يندر في الفتنة حين تغلب وجود ذوي الأخلاق الكريمة في مراتبهم الاجتماعية لأنهم يخفون أنفسهم ويبتعدون عن الأضواء.
(6) نهج البلاغة - الخطبة رقم: 108.
(7) نهج البلاغة - الخطبة رقم: 103.
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»