التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٩٢
حصيلة التعارض بين القانون كما يراه كل فريق من منظوره الخاص وبين سياسة الدولة.
وتتأهب كل فئة - بوسائلها الخاصة - للعمل من أجل تصحيح الوضع القائم برفع التعارض بين الواقع السياسي للدولة وبين القانون، بإرغام الدولة على أن تعود في سياستها إلى القانون، أو بتغيير الفئة الحاكمة نفسها.
والوسيلة إلى إنجاز عملية التصحيح هذه هي الثورة.
إذن، عملية الإحتجاج بالعنف على واقع نظام الفتنة وممارساته قد تكون ثورة عادلة، وقد تكون أزمة في داخل الفتنة نفسها. نعني: فتنة جديدة تولد من فشل الفتنة الحاكمة في إرضاء قوى سياسية في المجتمع تحمل نفس المفاهيم التي تحملها الفتنة الحاكمة (1).
إن الإحتجاج بالعنف على واقع نظام الفتنة له فائدة إيجابية كبرى وهامة سواء أكان القائمون بالاحتجاج عادلين أو مفتونين.
هذه الفائدة هي إدخال الاضطرابات والقلق على هذا النظام وحرمانه من فرص الاستقرار والشعور بالأمن التي تتيح له المضي في تزوير الشريعة وإفساد القيم. وتتيح لقوى الخير والحق الصامدة في الأمة أن تتنفس قليلا، وتمارس دورها في توعية الأمة بحرية نسبية لم تكن لتتاح لها لو أن نظام الفتنة نعم بالسلام والاستقرار.
* وقد كان موقف الإمام إيجابيا من حركات الإحتجاج على نظام الفتنة الذي سيقوم من بعده، لأنه إذا لم يكن من المتاح - نظرا لما تقضي به حركة التاريخ - انتصار الشرعية الكاملة في المدى المنظور، فان من الخير ألا تتاح لنظام الفتنة فرصة للتمكن والاستقرار، ومن الخير أن يبقى نظام الفتنة في أجواء الخوف والحذر، وحالة الدفاع.

(1) نحن نعبر بمصطلح (ثورة) في التاريخ الإسلامي عن العمل السياسي الذي يتمتع بالشرعية، وما عدا ذلك لا نسميه ثورة، وإنما نسميه تمردا، أو خروجا، أو فتنة.
وإنما جعلنا عنوان هذا الفصل (الثورة) - مع أن البحث فيه يشمل الإحتجاج بالعنف بجميع ألوانه (الشرعية وغير الشرعية) لغرض بياني فقط. هو إيثار بساطة العنوان على تعقيده.
(١٩٢)
مفاتيح البحث: الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 197 198 ... » »»