التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٨٧
الدماء (1) وتثلم منار الدين (2) وتنقض عقد اليقين. يهرب منها الأكياس (3) ويدبرها الأرجاس (4) مرعاد مبراق كاشفة عن ساق، تقطع فيها الأرحام، ويفارق عليها الإسلام، بريها سقيم، وظاعنها مقيم... بين قتيل مطلول (5)، وخائف مستجير، يختلون بعقد الأيمان (6)... (7).
يبرز الإمام في هذا الفصل - كما في النص الثاني من هذا الفصل - شمول الظلم لأهل البدو، وهذا يعني - بملاحظة التركيب الاجتماعي، والوضع الثقافي للمجتمع الإسلامي في ذلك الحين - أقصى درجات الشمول للظلم والطغيان، فأهل البدو - بسبب طريقة حياتهم - بعيدون عن متناول السلطة وأجهزتها ومن ثم فهم يتمتعون بفرص أكثر من أهل المدن للنجاة من كثير من شرور الطغيان السياسي. ولكن هذه الفتنة المنتصرة يبلغ من قوتها وعنفها أن هؤلاء البدو - أهل الوبر - لا يسلمون منها، بل تسومهم سوء العذاب.
كما أبرز الإمام في هذا النص الوجوه الأخرى للمعاناة: الإذلال، وسياسة القمع، وتجاوز الشريعة والقانون، وانحطاط العلاقات الإنسانية.
* وقال عليه السلام:
... فعند ذلك لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا وأدخله الظلمة ترحة (8)، وأولجوا فيه نقمة، فيومئذ لا يبقى لهم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر.
أصفيتم بالأمر غير أهله (9) وأوردتموه غير مورده، وسينتقم الله ممن ظلم، مأكلا بمأكل، ومشربا بمشرب، من مطاعم العلقم،

(1) عبيط الدماء: الطري منها.
(2) الثلم: الكسر، يعني أنها تنتهك الدين وتقلص نفوذه وولايته بترك العمل به وظلم أهله والداعين إليه.
(3) الكيس: الحاذق العاقل.
(4) الأرجاس: الأشرار.
(5) قتيل مطلول: مهدور الدم، لا دية ولا قصاص.
(6) الختل: الخداع، يعني يخدعون الناس بحلف الأيمان وإظهار شعار الإسلام.
(7) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 151.
(8) ترحمة: حزن وألم.
(9) أصفيت فلانا كذا: أعطيته إياه خالصا، يعني أعطيتم السلطة السياسية في الإسلام إلى غير أهلها.
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»