وبين الحيوان ويجرد صورة الجنس المنطبقة عليها ثم بينهما وبين النبات إلى أن ينتهي إلى الجنس العالي وهو الجوهر فلا يجد كليا يوافقه في شئ فيقف العقل هنالك عن التجريد ثم إن الانسان لما خلق الله له الفكر الذي به يدرك العلوم والصنائع وكان العلم إما تصورا للماهيات ويعنى به إدراك ساذج من غير حكم معه وإما تصديقا أي حكما بثبوت أمر لامر فصار سعي الفكر في تحصيل المطلوبات إما بان تجمع تلك الكليات بعضها إلى بعض على جهة التأليف فتحصل صورة في الذهن كلية منطبقة على أفراد في الخارج فتكون تلك الصورة الذهنية مفيدة لمعرفة ماهية تلك الاشخاص وإما بان يحكم بامر على أمر فيثبت له ويكون ذلك تصديقا وغايته في الحقيقة راجعة إلى التصور لان فائدة ذلك إذا حصل إنما هي معرفة حقائق الأشياء التي هي مقتضى العلم وهذا السعي من الفكر قد يكون بطريق صحيح وقد يكون بطريق فاسد فاقتضى ذلك تمييز الطريق الذي يسعى به الفكر في تحصيل المطالب العلمية ليتميز الصحيح من الفاسد فكان ذلك قانون المنطق وتكلم فيه المتقدمون أول ما تكلموا به جملا جملا ومفترقا ولم تهذب طرقه ولم تجمع مسائله حتى ظهر في يونان أرسطو فهذب مباحثه ورتب مسائله وفصوله وجعله أول العلوم الحكمية وفاتحتها ولذلك يسمى بالمعلم الأول وكتابه المخصوص بالمنطق يسمى النص وهو يشتمل على ثمانية كتب أربعة منها في صورة القياس وأربعة في مادته وذلك أن المطالب التصديقية على أنحاء. فمنها ما يكون المطلوب فيه اليقين بطبعه ومنها ما يكون المطلوب فيه الظن وهو على مراتب فينظر في القياس من حيث المطلوب الذي يفيده وما ينبغي أن تكون مقدماته بذلك الاعتبار ومن أي جنس يكون من العلم أو من الظن وقد ينظر في القياس لا باعتبار مطلوب مخصوص بل من جهة إنتاجه خاصة ويقال للنظر الأول إنه من حيث المادة ونعني به المادة المنتجة للمطلوب المخصوص من يقين أو ظن ويقال للنظر الثاني إنه من حيث الصورة وإنتاج القياس على الاطلاق فكانت لذلك كتب المنطق ثمانية. الأول في الأجناس العالية التي ينتهي إليها تجريد المحسوسات وهي التي ليس فوقها جنس ويسمى كتاب المقولات. والثاني في القضايا التصديقية وأصنافها ويسمى كتاب العبارة. والثالث في القياس وصورة إنتاجه على
(٤٩٠)