الجسم التعليمي ينظر في هذه المقادير وما يعرض لها إما من حيث ذاتها أو من حيث نسبة بعضها إلى بعض وثانيها علم الارتماطيقي وهو معرفة ما يعرض للكم المنفصل الذي هو العدد ويؤخذ له من الخواص والعوارض اللاحقة وثالثها علم الموسيقى وهو معرفة نسب الأصوات والنغم بعضها من بعض وتقديرها بالعدد وثمرته معرفة تلاحين الغناء ورابعها علم الهيئة وهو تعيين الاشكال للأفلاك وحصر أوضاعها وتعددها لكل كوكب من السيارة والقيام على معرفة ذلك من قبل الحركات السماوية المشاهدة الموجودة لكل واحد منها ومن رجوعها واستقامتها وإقبالها وإدبارها فهذه أصول العلوم الفلسفية وهي سبعة المنطق وهو المقدم منها وبعده التعاليم فالارتماطيقي أولا ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات ولكل واحد منها فروع تتفرع عنه فمن فروع الطبيعيات الطب ومن فروع علم العدد علم الحساب والفرائض والمعاملات ومن فروع الهيئة الأزياح وهي قوانين لحساب حركات الكواكب وتعديلها للوقوف على مواضعها متى قصد ذلك ومن فروعها النظر في النجوم على الاحكام النجومية ونحن نتكلم عليها واحدا بعد واحد إلى آخرها واعلم أن أكثر من عني بها في الأجيال الذين عرفنا أخبارهم الأمتان العظيمتان في الدولة قبل الاسلام وهما فارس والروم فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم على ما بلغنا لما كان العمران موفورا فيهم والدولة والسلطان قبل الاسلام وعصره لهم فكان لهذه العلوم بحور زاخرة في آفاقهم وأمصارهم وكان للكلدانيين ومن قبلهم من السريانيين ومن عاصرهم من القبط عناية بالسحر والنجامة وما يتبعها من الطلاسم وأخذ ذلك عنهم الأمم من فارس ويونان فاختص بها القبط وطمى بحرها فيهم كما وقع في المتلو من خبر هاروت وماروت وشأن السحرة وما نقله أهل العلم من شان البراري بصعيد مصر ثم تتابعت الملل بحظر ذلك وتحريمه فدرست علومه وبطلت كان لم تكن إلا بقايا يتناقلها منتحلو هذه الصنائع والله أعلم بصحتها مع أن سيوف الشرع قائمة على ظهورها مانعة من اختبارها وأما الفرس فكان شان هذه العلوم العقلية عندهم عظيما ونطاقها متسعا لما كانت عليه دولتهم من الضخامة واتصال الملك ولقد يقال إن هذه العلوم إنما وصلت إلى يونان منهم
(٤٧٩)