تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٩٤
ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له في شان تلقيح النخل ما وقع فقال أنتم أعلم بأمور دنياكم فلا ينبغي أن يحمل شئ من الطب الذي وقع في الأحاديث المنقولة على أنه مشروع فليس هناك ما يدل عليه اللهم إلا إذا استعمل على جهة التبرك وصدق العقد الايماني فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي وإنما هو من آثار الكلمة الايمانية كما وقع في مداواة المبطون بالعسل والله الهادي إلى الصواب لا رب سواه الفصل العشرون في الفلاحة هذه الصناعة من فروع الطبيعيات وهي النظر في النبات من حيث تنميته ونشؤه بالسقي والعلاج وتعهده بمثل ذلك وكان للمتقدمين بها عناية كثيرة وكان النظر فيها عندهم عاما في النبات من جهة غرسه وتنميته ومن جهة خواصه وروحانيته ومشاكلتها لروحانيات الكواكب والهياكل المستعمل ذلك كله في باب السحر فعظمت عنايتهم به لاجل ذلك وترجم من كتب اليونانيين كتاب الفلاحة النبطية منسوبة لعلماء النبط مشتملة من ذلك على علم كبير ولما نظر أهل الملة فيما اشتمل عليه هذا الكتاب وكان باب السحر مسدودا والنظر فيه محظورا فاقتصروا منه على الكلام في النبات من جهة غرسه وعلاجه وما يعرض له في ذلك وحذفوا الكلام في الفن الآخر منه جملة واختصر ابن العوام كتاب الفلاحة النبطية على هذا المنهاج وبقي الفن الآخر منه مغفلا نقل منه مسلمة في كتبه السحرية أمهات من مسائله كما نذكره عند الكلام على السحر إن شاء الله تعالى وكتب المتأخرين في الفلاحة كثيرة ولا يعدون فيها الكلام في الغراس والعلاج وحفظ النبات من حوائجه وعوائقه وما يعرض في ذلك كله وهي موجودة
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»