تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٨٩
والتواريخ الماضية وأصول متقررة من معرفة الأوج والحضيض والميول وأصناف الحركات واستخراج بعضها من بعض يضعونها في جداول مرتبة تسهيلا على المتعلمين وتسمى الأزياج ويسمى استخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة تعديلا وتقويما وللناس فيه تآليف كثيرة للمتقدمين والمتأخرين مثل البتاني (1) وابن الكماد وقد عول المتأخرون لهذا العهد بالمغرب على زيج منسوب لابن إسحاق من منجمي تونس في أول المائة السابعة ويزعمون أن ابن إسحاق عول فيه على الرصد وأن يهوديا كان بصقلية ماهرا في الهيئة والتعاليم وكان قد عني بالرصد وكان يبعث إليه بما يقع في ذلك من أحوال الكواكب وحركاتها فكان أهل المغرب لذلك عنوا به لوثاقة مبناه على ما يزعمون ولخصه ابن البناء في آخر سماه المنهاج فولع به الناس لما سهل من الاعمال فيه وإنما يحتاج إلى مواضع الكواكب من الفلك لتنبني عليها الاحكام النجومية وهو معرفة الآثار التي تحدث عنها بأوضاعها في عالم الانسان من الملك والدول والمواليد البشرية كما نبينه بعد ونوضح فيه أدلتهم إن شاء الله تعالى والله الموفق لما يحبه ويرضاه لا معبود سواه الفصل السابع عشر في علم المنطق وهو قوانين يعرف بها الصحيح من الفاسد في الحدود المعرفة للماهيات والحجج المفيدة للتصديقات وذلك أن الأصل في الادراك إنما هو المحسوسات بالحواس الخمس وجميع الحيوانات مشتركة في هذا الادراك من الناطق وغيره وإنما يتميز الانسان عنها بادراك الكليات وهي مجردة من المحسوسات وذلك بان يحصل في الخيال من الاشخاص المتفقة صورة منطبقة على جميع تلك الاشخاص المحسوسة وهي الكلي ثم ينظر الذهن بين تلك الاشخاص المتفقة وأشخاص أخرى توافقها في بعض فيحصل له صورة تنطبق أيضا عليهما باعتبار ما اتفقا فيه ولا يزال يرتقي في التجريد إلى الكل الذي لا يجد كليا آخر معه يوافقه فيكون لاجل ذلك بسيطا وهذا مثل ما يجرد من أشخاص الانسان صورة النوع المنطبقة عليها ثم ينظر بينه

(1) قوله البتاني بفتح الموحدة وتشديد المثناة كما ضبطه ابن خلكان في ترجمته قبيل اخر المحمدين
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»