تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٠١
خاصة بدعوات كفرية وإشراك الروحانيات الجن والكواكب سطرت فيها صحيفة عندهم تسمى الخزيرية يتدارسونها وأنهم بهذه الرياضة والوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم وأن التأثير الذي لهم إنما هو فيما سوى الانسان الحر من المتاع والحيوان والرقيق ويعبرون عن ذلك بقولهم إنما نفعل فيما تمشي فيه الدراهم أي ما يملك ويباع ويشترى من سائر المتملكات هذا ما زعموه وسالت بعضهم فأخبرني به وأما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها وعاينتها من غير ريبة في ذلك هذا شان السحر والطلسمات وآثارهما في العالم فاما الفلاسفة ففرقوا بين السحر والطلسمات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الانسانية واستدلوا على وجود الأثر للنفس الانسانية بان لها آثارا في بدنها على غير المجرى الطبيعي وأسبابه الجسمانية بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح والسرور ومن جهة التصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم فان الماشي على حرف حائط أو على حبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك ولهذا تجد كثيرا من الناس يعودون أنفسهم ذلك حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب ولا يخافون السقوط فثبت أن ذلك من آثار النفس الانسانية وتصورها للسقوط من أجل الوهم وإذا كان ذلك أثرا للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة لأنها غير حالة في البدن ولا منطبعة فيه فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام وأما التفرقة عندهم بين السحر والطلسمات فهو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الاعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون ويقولون السحر اتحاد روح بروح والطلسم اتحاد روح بجسم ومعناه عندهم ربط الطبائع العلوية المساوية بالطبائع السفلية والطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب ولذلك يستعين صاحبه في غالب الامر بالنجامة والساحر عندهم غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير والفرق عندهم
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»