والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم الفصل التاسع عشر في علم الطب ومن فروع الطبيعيات صناعة الطب وهي صناعة تنظر في بدن الانسان من حيث يمرض ويصح فيحاول صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالأدوية والأغذية بعد أن يتبين المرض الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها وما لكل مرض من الأدوية مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها وعلى المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه وقبوله الدواء أولا في السجية والفضلات والنبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض وإنما الطبيب يحاذيها ويعينها بعض الشئ بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة والفصل والسن ويسمى العلم الجامع لهذا كله علم الطب وربما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام وجعلوه علما خاصا كالعين وعللها وأكحالها وكذلك ألحقوا بالفن من منافع الأعضاء ومعناها المنفعة التي لاجلها خلق كل عضو من أعضاء البدن الحيواني وإن لم يكن ذلك من موضوع علم الطب إلا أنهم جعلوه من لواحقه وتوابعه وإمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين جالينوس يقال إنه كان معاصرا لعيسى عليه السلام ويقال إنه مات بصقلية في سبيل تغلب ومطاوعة اغتراب وتآليفه فيها هي الأمهات التي اقتدى بها جميع الأطباء بعده وكان في الاسلام في هذه الصناعة أئمة جاءوا من وراء الغاية مثل الرازي والمجوسي وابن سينا ومن أهل الأندلس أيضا كثير وأشهرهم ابن زهر وهي لهذا العهد في المدن الاسلامية كأنها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي من الصنائع التي لا تستدعيها إلا الحضارة والترف كما نبينه بعد.
وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الامر على تجربة قاصرة على بعض الاشخاص متوارثا عن مشايخ الحي وعجائزه وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شئ وإنما هو أمر كان عاديا للعرب ووقع في