تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٩٥
الفصل العاشر في اي أصناف الناس يحترف بالتجارة وأيهم ينبغي له اجتناب حرفها قد قدمنا أن معنى التجارة تنمية المال بشراء البضائع ومحاولة بيعها بأغلى من ثمن الشراء إما بانتظار حوالة الأسواق أو نقلها إلى بلد هي فيه أنفق وأغلى أو بيعها بالغلاء على الآجال وهذا الربح بالنسبة إلى أصل المال يسير إلا أن المال إذا كان كثيرا عظم الربح لان القليل في الكثير كثير ثم لا بد في محاولة هذه التنمية من حصول هذا المال بأيدي الباعة في شراء البضائع وبيعها ومعاملتهم في تقاضي أثمانها وأهل النصفة قليل فلا بد من الغش والتطفيف المجحف بالبضائع ومن المطل في الأثمان المجحف بالربح كتعطيل المحاولة في تلك المدة وبها نماؤه ومن الجحود والانكار المسحت لرأس المال إن لم يتقيد بالكتاب والشهادة وغنى الحكام في ذلك قليل لان الحكم إنما هو على الظاهر فيعاني التاجر من ذلك أحوالا صعبة ولا يكاد يحصل على ذلك التافه من الربح إلا بعظم العناء والمشقة أو لا يحصل أو يتلاشى رأس ماله فإن كان جريئا على الخصومة بصيرا بالحسبان شديد المماحكة مقداما على الحكام كان ذلك أقرب له إلى النصفة بجراءته منهم ومماحكته وإلا فلا بد له من جاه يدرع به يوقع له الهيبة عند الباعة ويحمل الحكام على إنصافه من معامليه فيحصل له بذلك النصفة في ماله طوعا في الأول وكرها في الثاني وأما من كان فاقدا للجرأة والاقدام من نفسه فاقد الجاه من الحكام فينبغي له أن يجتنب الاحتراف بالتجارة لأنه يعرض ما له للضياع والذهاب ويصير مأكلة للباعة ولا يكاد ينتصف منهم لان الغالب في الناس وخصوصا الرعاع والباعة شرهون إلى ما في أيدي الناس سواهم متوثبون عليه ولولا وازع الاحكام لأصبحت أموال الناس نهبا ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين الفصل الحادي عشر في أن خلق التجار نازلة عن خلق الاشراف والملوك وذلك أن التجار في غالب أحوالهم إنما يعانون البيع والشراء ولا بد فيه من
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»