تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٩٤
بدار المأمون تشتمل على كثير من الدخل والخرج وكان فيما طالعت فيه أرزاق القضاة والأئمة والمؤذنين فوقفته عليه وعلم منه صحة ما قلته ورجع إليه وقضينا العجب من أسرار الله في خلقه وحكمته في عوالمه والله الخالق القادر لا رب سواه الفصل الثامن في أن الفلاحة من معاش المتضعين وأهل العافية من البدو وذلك لأنه أصيل في الطبيعة وبسيط في منحاه ولذلك لا تجده ينتحله أحد من أهل الحضر في الغالب ولا من المترفين ويختص منتحله بالمذلة قال صلى الله عليه وسلم وقد رأى السكة ببعض دور الأنصار ما دخلت هذه دار قوم إلا دخله الذل وحمله البخاري على الاستكثار منه وترجم عليه باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو تجاوز الحد الذي أمر به والسبب فيه والله أعلم ما يتبعها من المغرم المفضي إلى التحكم واليد العالية فيكون الغارم ذليلا بائسا بما تتناوله أيدي القهر والاستطالة قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تعود الزكاة مغرما إشارة إلى الملك العضوض القاهر للناس الذي معه التسلط والجور ونسيان حقوق الله تعالى في المتمولات واعتبار الحقوق كلها مغرم للملوك والدول والله قادر على ما يشاء والله سبحانه وتعالى اعلم وبه التوفيق الفصل التاسع في معنى التجارة ومذاهبها وأصنافها إعلم أن التجارة محاولة الكسب بتنمية المال بشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء أيام كانت السلعة من دقيق أو زرع أو حيوان أو قماش وذلك القدر النامي يسمى ربحا فالمحاول لذلك الربح إما أن يختزن السلعة ويتحين بها حوالة الأسواق من الرخص إلى الغلاء فيعظم ربحه وإما بأن ينقله إلى بلد آخر تنفق فيه تلك السلعة أكثر من بلده الذي اشتراها فيه فيعظم ربحه ولذلك قال بعض الشيوخ من التجار لطلب الكشف عن حقيقة التجارة أنا أعلمها لك في كلمتين اشتراء الرخيص وبيع الغالي فقد حصلت التجارة إشارة منه بذلك إلى المعنى الذي قررناه والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق لا رب سواه
(٣٩٤)
مفاتيح البحث: الزكاة (1)، الإنفاق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»