على ما ينطوي عليه من الشر اليسير وهذا معنى وقوع الظلم في الخليقة فتفهم ثم إن كل طبقة من طباق أهل العمران من مدينة أو إقليم لها قدرة على من دونها من الطباق وكل واحدة من الطبقة السفلى يستمد بذي الجاه من أهل الطبقة التي فوقه ويزداد كسبه تصرفا فيمن تحت يده على قدر ما يستفيد منه والجاه على ذلك داخل على الناس في جميع أبواب المعاش ويتسع ويضيق بحسب الطبقة والطور الذي فيه صاحبه فإن كان الجاه متسعا كان الكسب الناشئ عنه كذلك وإن كان ضيقا قليلا فمثله وفاقد الجاه وإن كان له مال فلا يكون يساره إلا بمقدار عمله أو ماله ونسبة سعيه ذاهبا وآيبا في تنميته كأكثر التجار وأهل الفلاحة في الغالب وأهل الصنائع كذلك إذا فقدوا الجاه واقتصروا على فوائد صنائعهم فإنهم يصيرون إلى الفقر والخصاصة في الأكثر ولا تسرع إليهم ثروة وإنما يرمقون العيش ترميقا ويدافعون ضرورة الفقر مدافعة وإذا تقرر ذلك وأن الجاه متفرع وأن السعادة والخير مقترنان بحصوله علمت أن بذله وإفادته من أعظم النعم وأجلها وأن باذله من أجل المنعمين وإنما يبذله لمن تحت يديه فيكون بذله بيد عالية عزة فيحتاج طالبه ومبتغيه إلى خضوع وتملق كما يسأل أهل العز والملوك وإلا فيتعذر حصوله فلذلك قلنا إن الخضوع والتملق من أسباب حصول هذا الجاه المحصل للسعادة والكسب وإن أكثر أهل الثروة والسعادة بهذا التملق ولهذا نجد الكثير ممن يتخلق بالترفع والشمم لا يحصل لهم غرض الجاه فيقتصرون في التكسب على أعمالهم ويصيرون إلى الفقر والخصاصة. واعلم أن هذا الكبر والترفع من الاخلاق المذمومة إنما يحصل من توهم الكمال وأن الناس يحتاجون إلى بضاعته من علم أو صناعة كالعالم المتبحر في علمه والكاتب المجيد في كتابته أو الشاعر البليغ في شعره وكل محسن في صناعته يتوهم أن الناس محتاجون لما بيده فيحدث له ترفع عليهم بذلك وكذا يتوهم أهل الأنساب ممن كان في آبائه ملك أو عالم مشهور أو كامل في طور يعبرون به بما رأوه أو سمعوه من حال آبائهم في المدينة ويتوهمون أنهم استحقوا مثل ذلك بقرابتهم إليهم ووراثتهم عنهم فهم متمسكون في الحاضر بالأمر المعدوم وكذلك أهل الحيلة والبصر والتجارب بالأمور قد يتوهم بعضهم كمالا في نفسه بذلك واحتياجا
(٣٩١)