عن علم الطبيعة وموضوعة مع ذلك بدن الانسان وأما الكتابة وما يتبعها من الوراقة فهي حافظة على الانسان حاجته ومقيدة لها عن النسيان ومبلغة ضمائر النفس إلى البعيد الغائب ومخلدة نتائج الأفكار والعلوم في الصحف ورافعة رتب الوجود للمعاني وأما الغناء فهو نسب الأصوات ومظهر جمالها للاسماع وكل هذه الصنائع الثلاث داع إلى مخالطة الملوك الأعاظم في خلواتهم ومجالس أنسهم فلها بذلك شرف ليس لغيرها وما سوى ذلك من الصنائع فتابعة وممتهنة في الغالب وقد يختلف ذلك باختلاف الأغراض والدواعي والله أعلم بالصواب الفصل الرابع والعشرون في صناعة الفلاحة هذه الصناعة ثمرتها اتخاذ الأقوات والحبوب بالقيام على إثارة الأرض لها ازدراعها وعلاج نباتها وتعهده بالسقي والتنمية إلى بلوغ غايته ثم حصاد سنبله واستخراج حبه من غلافه وإحكام الاعمال لذلك وتحصيل أسبابه ودواعيه وهي أقدم الصنائع لما أنها محصلة للقوت المكمل لحياة الانسان غالبا إذ يمكن وجوده من دون القوت ولهذا اختصت هذه الصناعة بالبدو إذ قدمنا أنه أقدم من الحضر وسابق عليه فكانت هذه الصناعة لذلك بدوية لا يقوم عليها الحضر ولا يعرفونها لان أحوالهم كلها ثانية على البداوة فصنائعهم ثانية عن صنائعها وتابعة لها والله سبحانه وتعالى مقيم العباد فيما أراد الفصل الخامس والعشرون في صناعة البناء هذه الصناعة أول صنائع العمران الحضري وأقدمها وهي معرفة العمل في اتخاذ البيوت والمنازل للكن والمأوى للأبدان في المدن وذلك أن الانسان لما جبل عليه من الفكر في عواقب أحواله لا بد أن يفكر فيما يدفع عنه الأذى من الحر والبرد كاتخاذ البيوت المكتنفة بالسقف والحيطان من سائر جهاتها والبشر مختلف في هذه الجبلة الفكرية فمنهم المعتدلون فيها فيتخذون ذلك باعتدال أهالي الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس وأما أهل البدو فيبعدون عن اتخاذ ذلك لقصور
(٤٠٦)