محسوس والأحوال الجسمانية المحسوسة فنقلها بالمباشرة أوعب لها وأكمل لان المباشرة في الأحوال الجسمانية المحسوسة أتم فائدة والملكة صفة راسخة تحصل عن استعمال ذلك الفعل وتكرره مرة بعد أخرى حتى ترسخ صورته وعلى نسبة الأصل تكون الملكة ونقل المعاينة أوعب وأتم من نقل الخبر والعلم فالملكة الحاصلة عن الخبر على قدر جودة التعليم وملكة المتعلم في الصناعة وحصول ملكته ثم إن الصنائع منها البسيط ومنها المركب والبسيط هو الذي يختص بالضروريات والمركب هو الذي يكون للكماليات والمتقدم منها في التعليم هو البسيط لبساطته أولا ولأنه مختص بالضروري الذي تتوفر الدواعي على نقله فيكون سابقا في التعليم ويكون تعليمه ناقصا ولا يزال الفكر يخرج أصنافها ومركباتها من القوة إلى الفعل بالاستنباط شيئا فشيئا على التدريج حتى تكمل ولا يحصل ذلك دفعة وإنما يحصل في أزمان وأجيال إذ خروج الأشياء من القوة إلى الفعل لا يكون دفعة لا سيما في الأمور الصناعية فلا بد له إذن من زمان ولهذا تجد الصنائع في الأمصار الصغيرة ناقصة ولا يوجد منها إلا البسيط فإذا تزايدت حضارتها ودعت أمور الترف فيها إلى استعمال الصنائع خرجت من القوة إلى الفعل وتنقسم الصنائع أيضا إلى ما يختص بأمر المعاش ضروريا كان أو غير ضروري وإلى ما يختص بالأفكار التي هي خاصية الانسان من العلوم والصنائع والسياسة ومن الأول الحياكة والجزارة والنجارة والحدادة وأمثالها ومن الثاني الوراقة وهي معاناة الكتب بالانتساخ والتجليد والغناء والشعر وتعليم العلم وأمثال ذلك ومن الثالث الجندية وأمثالها والله أعلم الفصل السابع عشر في أن الصنائع انما تكمل بكمال العمران الحضري وكثرته والسبب في ذلك أن الناس ما لم يستوف العمران الحضري وتتمدن المدينة إنما همهم في الضروري من المعاش وهو تحصيل الأقوات من الحنطة وغيرها فإذا تمدنت المدينة وتزايدت فيها الاعمال ووفت بالضروري وزادت عليه صرف الزائد حينئذ إلى الكمالات من المعاش ثم إن الصنائع والعلوم إنما هي للانسان من حيث فكره الذي يتميز به عن الحيوانات والقوت له من حيث الحيوانية والغذائية فهو
(٤٠٠)