يتعوذ بالله من العجز والكسل في طلب معاشه كما تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وينصرف عن طرق الشيطان ووسواسه ولا يشغل نفسه بالمحالات والمكاذب من الحكايات والله يرزق من يشاء بغير حساب الفصل الخامس في أن الجاه مفيد للمال وذلك أنا نجد صاحب المال والحظوة في جميع أصناف المعاش أكثر يسارا وثروة من فاقد الجاه. والسبب في ذلك أن صاحب الجاه مخدوم بالاعمال يتقرب بها إليه في سبيل التزلف والحاجة إلى جاهه فالناس معينون له بأعمالهم في جميع حاجاته من ضروري أو حاجي أو كمالي فتحصل قيم تلك الأعمال كلها من كسبه وجميع معاشاته أن تبذل فيه الأعواض من العمل يستعمل فيها الناس من غير عوض فتتوفر قيم تلك الأعمال عليه فهو بين قيم للأعمال يكتسبها وقيم أخرى تدعوه الضرورة إلى اخراجها فتتوفر عليه والاعمال لصاحب الجاه كثيرة فتفيد الغنى لأقرب وقت ويزداد مع الأيام يسارا وثروة ولهذا المعنى كانت الامارة أحد أسباب المعاش كما قدمناه وفاقد الجاه بالكلية ولو كان صاحب مال فلا يكون يساره إلا بمقدار ماله وعلى نسبة سعيه وهؤلاء هم أكثر التجار ولهذا تجد أهل الجاه منهم يكونون أيسر بكثير ومما يشهد لذلك أنا نجد كثيرا من الفقهاء وأهل الدين والعبادة إذا اشتهروا حسن الظن بهم واعتقد الجمهور معاملة الله في إرفادهم فأخلص الناس في إعانتهم على أحوال دنياهم والاعتمال في مصالحهم وأسرعت إليهم الثروة وأصبحوا مياسير من غير مال مقتنى إلا ما يحصل لهم من قيم الاعمال التي وقعت المعونة بها من الناس لهم رأينا من ذلك أعدادا في الأمصار والمدن وفي البدو يسعى لهم الناس في الفلح والتجر وكل هو قاعد بمنزله لا يبرح من مكانه فينمو ماله ويعظم كسبه ويتأثل الغني من غير سعي ويعجب من لا يفطن لهذا السر في حال ثروته وأسباب غناه ويساره والله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب
(٣٨٩)