وإما أن يكون من الحيوان الداجن باستخراج فضوله المنصرفة بين الناس في منافعهم كاللبن من الانعام والحرير من دوده والعسل من نحله أو يكون من النبات في الزرع والشجر بالقيام عليه وإعداده لاستخراج ثمرته ويسمى هذا كله فلحا وإما ان يكون الكسب من الاعمال الانسانية إما في مواد معينة وتسمى الصنائع من كتابة ونجارة وخياطة وحياكة وفروسية وأمثال ذلك أو في مواد غير معينة وهي جميع الامتهانات والتصرفات وإما أن يكون الكسب من البضائع وإعدادها للأعواض إما بالتقلب بها في البلاد واحتكارها وارتقاب حوالة الأسواق فيها ويسمى هذا تجارة فهذه وجوه المعاش وأصنافه وهي معنى ما ذكره المحققون من أهل الأدب والحكمة كالحريري وغيره فإنهم قالوا المعاش إمارة وتجارة وفلاحة وصناعة فاما الامارة فليست بمذهب طبيعي للمعاش فلا حاجة بنا إلى ذكرها وقد تقدم شئ من أحوال الجبايات السلطانية وأهلها في الفصل الثاني وأما الفلاحة والصناعة والتجارة فهي وجوه طبيعية للمعاش أما الفلاحة فهي متقدمة عليها كلها بالذات إذ هي بسيطة وطبيعية فطرية لا تحتاج إلى نظر ولا علم ولهذا تنسب في الخليقة إلى آدم أبي البشر وأنه معلمها والقائم عليها إشارة إلى أنها أقدم وجوه المعاش وأنسبها إلى الطبيعة وأما الصنائع فهي ثانيتها ومتأخرة عنها لأنها مركبة وعلمية تصرف فيها الأفكار والانظار ولهذا لا يوجد غالبا إلا في أهل الحضر الذي هو متأخر عن البدو وثان عنه ومن هذا المعنى نسبت إلى إدريس الأب الثاني للخليقة فإنه مستنبطها لمن بعده من البشر بالوحي من الله تعالى وأما التجارة وإن كانت طبيعية في الكسب فالأكثر من طرقها ومذاهبها إنما هي تحيلات في الحصول على ما بين القيمتين في الشراء والبيع لتحصل فائدة الكسب من تلك الفضلة ولذلك أباح الشرع فيه المكاسبة لما أنه من باب المقامرة إلا أنه ليس أخذا لمال الغير مجانا فلهذا اختص بالمشروعية الفصل الثالث في أن الخدمة ليست من الطبيعي إعلم أن السلطان لابد له من اتخاذ الخدمة في سائر أبواب الامارة والملك الذي هو بسبيله من الجندي والشرطي والكاتب ويستكفي في كل باب بمن يعلم
(٣٨٣)