تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٠٥
الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين الفصل الثاني والعشرون فيمن حصلت له ملكة في صناعة فقل ان يجيد بعد في ملكة أخرى ومثال ذلك الخياط إذا أجاد ملكة الخياطة وأحكمها ورسخت في نفسه فلا يجيد من بعدها ملكة النجارة أو البناء إلا أن تكون الأولى لم تستحكم بعد ولم ترسخ صبغتها والسبب في ذلك أن الملكات صفات للنفس وألوان فلا تزدحم دفعة ومن كان على الفطرة كان أسهل لقبول الملكات وأحسن استعدادا لحصولها فإذا تلونت النفس بالملكة الأخرى وخرجت عن الفطرة ضعف فيها الاستعداد باللون الحاصل من هذه الملكة فكان قبولها للملكة أضعف وهذا بين يشهد له الوجود فقل أن تجد صاحب صناعة يحكمها ثم يحكم من بعدها أخرى ويكون فيهما معا على رتبة واحدة من الإجادة حتى أن أهل العلم الذين ملكتهم فكرية فهم بهذه المثابة ومن حصل منهم على ملكة علم من العلوم وأجادها في الغاية فقل أن يجيد ملكة علم آخر عل نسبته بل يكون مقصرا فيه إن طلبه إلا في الأقل النادر من الأحوال ومبني سببه على ما ذكرناه من الاستعداد وتلوينه بلون الملكة الحاصلة في النفس والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق لا رب سواه الفصل الثالث والعشرون في الإشارة إلى أمهات الصنائع إعلم أن الصنائع في النوع الانساني كثيرة لكثرة الاعمال المتداولة في العمران فهي بحيث تشذ عن الحصر ولا يأخذها العد إلا أن منها ما هو ضروري في العمران أو شريف بالموضع فنخصها بالذكر ونترك ما سواها فأما الضروري فالفلاحة والبناء والخياطة والنجارة والحياكة وأما الشريفة بالموضع فكالتوليد والكتابة والوراقة والغناء والطب فأما التوليد فإنها ضرورية في العمران وعامة البلوى إذ بها تحصل حياة المولود وتتم غالبا وموضوعها مع ذلك المولودون وأمهاتهم وأما الطب فهو حفظ الصحة للانسان ودفع المرض عنه ويتفرع
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»