تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٧٨
الآخر مثل أن يكون أحد الجانبين فيه عشرة أو عشرون من الشجعان المشاهير وفي الجانب الآخر ثمانية أو ستة عشر فالجانب الزائد ولو بواحد يكون له الغلب وأعاد في ذلك وأبدى وهو راجع إلى الأسباب الظاهرة التي قدمنا وليس بصحيح وإنما الصحيح المعتبر في الغلب حال العصبية أن يكون في أحد الجانبين عصبية واحدة جامعة لكلهم وفي الجانب الآخر عصائب متعددة لان العصائب إذا كانت متعددة يقع بينها من التخاذل ما يقع في الوحدان المتفرقين الفاقدين للعصبية تنزل كل عصابة منهم منزلة الواحد ويكون الجانب الذي عصابته متعددة لا يقاوم الجانب الذي عصبته واحدة لاجل ذلك فتفهمه واعلم أنه أصح في الاعتبار مما ذهب إليه الطرطوشي ولم يحمله على ذلك الا نسيان شان العصبية في حلة وبلدة وأنهم إنما يرون ذلك الدفاع والحماية والمطالبة إلى الوحدان والجماعة الناشئة عنهم لا يعتبرون في ذلك عصبية ولا نسبا وقد بينا ذلك أول الكتاب مع أن هذا وأمثاله على تقدير صحته إنما هو من الأسباب الظاهرة مثل اتفاق الجيش في العدة وصدق القتال وكثرة الأسلحة وما أشبهها فكيف يجعل ذلك كفيلا بالغلب ونحن قد قررنا لك الآن أن شيئا منها لا يعارض الأسباب الخفية من الحيل والخداع ولا الأمور السماوية من الرعب والخذلان الإلهي فافهمه وتفهم أحوال الكون والله مقدر الليل والنهار * ويلحق بمعنى الغلب في الحروب وأن أسبابه خفية وغير طبيعية حال الشهرة والصيت فقل أن تصادف موضعها في أحد من طبقات الناس من الملوك والعلماء والصالحين والمنتحلين للفضائل على العموم وكثير ممن اشتهر بالشر وهو بخلافه وكثير ممن تجاوزت عنه الشهرة وهو أحق بها وأهلها وقد تصادف موضعها وتكون طبقا على صاحبها والسبب في ذلك أن الشهرة والصيت إنما هما بالاخبار والاخبار يدخلها الذهول عن المقاصد عند التناقل ويدخلها التعصب والتشييع ويدخلها الأوهام ويدخلها الجهل بمطابقة الحكايات للأحوال لخفائها بالتلبيس والتصنع أو لجهل الناقل ويدخلها التقرب لأصحاب التجلة والمراتب الدنيوية بالثناء والمدح وتحسين الأحوال وإشاعة الذكر بذلك والنفوس مولعة بحب الثناء والناس متطاولون إلى الدنيا وأسبابها من جاه أو ثروة وليسوا من الأكثر براغبين في الفضائل ولا منافسين في أهلها وأين مطابقة الحق مع هذه كلها فتختل الشهرة عن
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»