تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٧٥
جلوسا وكل ردء للذي أمامه أن يكبسهم العدو إلى أن يتهيأ النصر لاحدى الطائفتين على الأخرى وهي تعبئة محكمة غريبة * وكان من مذاهب الأول في حروبهم حفر الخنادق على معسكرهم عندما يتقاربون للزحف حذرا من معرة البيات والهجوم على العسكر بالليل لما في ظلمته ووحشته من مضاعفة الخوف فيلوذ الجيش بالفرار وتجد النفوس في الظلمة سترا من عاره فإذا تساووا في ذلك أرجف العسكر ووقعت الهزيمة فكانوا لذلك يحتفرون الخنادق على معسكرهم إذا نزلوا وضربوا أبنيتهم ويديرون الحفائر نطاقا عليهم من جميع جهاتهم حرصا أن يخالطهم العدو بالبيات فيتخاذلوا وكان للدول في أمثال هذا قوة وعليه اقتدار باحتشاد الرجال وجمع الأيدي عليه في كل منزل من منازلهم بما كانوا عليه من وفور العمران وضخامة الملك فلما خرب العمران وتبعه ضعف الدول وقلة الجنود وعدم الفعلة نسي هذا الشأن جملة كأنه لم يكن والله خير القادرين وانظر وصية علي رضي الله عنه وتحريضه لأصحابه يوم صفين تجد كثيرا من علم الحرب ولم يكن أحد أبصر بها منه قال في كلام له فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص وقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام والتووا على أطراف الرماح فإنه أصون للأسنة وغضوا الابصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب واخفتوا الأصوات فإنه أصون للفشل وأولى بالوقار وأقيموا راياتكم فلا تميلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم واستعينوا بالصدق والصبر فإنه بقدر الصبر ينزل النصر وقال الأشتر يومئذ يحرض الأزد عضوا على النواجذ من الأضراس واستقبلوا القوم بهامكم وشدوا شدة قوم موتورين يثأرون بآبائهم وإخوانهم حناقا على عدوهم وقد وطنوا على الموت أنفسهم لئلا يسبقوا بوتر ولا يلحقهم في الدنيا عار وقد أشار إلى كثير من ذلك أبو بكر الصيرفي شاعر لمتونة وأهل الأندلس في كلمة يمدح بها تاشفين بن علي بن يوسف ويصف ثباته في حرب شهدها ويذكره بأمور الحرب في وصايا تحذيرات تنبهك على معرفة كثير من سياسة الحرب يقول فيها يا أيها الملا الذي يتقنع * من منكم الملك الهمام الأروع ومن الذي غدر العدو به دجى * فانفض كل وهو لا يتزعزع
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»