تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٨٩
اقترافها من الزنا والقتل والسكر إلا أن الظلم لا يقدر عليه إلا من يقدر عليه لأنه إنما يقع من أهل القدرة والسلطان فبولغ في ذمه وتكرير الوعيد فيه عسى أن يكون الوازع فيه للقادر عليه في نفسه وما ربك بظلام للعبيد. ولا تقولن إن العقوبة قد وضعت بإزاء الحرابة في الشرع وهي من ظلم القادر لان المحارب زمن حرابته قادر فان في الجواب عن ذلك طريقين. أحدهما أن تقول العقوبة على ما يقترفه من الجنايات في نفس أموال على ما ذهب إليه كثير وذلك إنما يكون بعد القدرة عليه والمطالبة بجنايته وأما نفس الحرابة فهي خلو من العقوبة. الطريق الثاني أن تقول المحارب لا يوصف بالقدرة لأنا إنما نعني بقدرة الظالم اليد المبسوطة التي لا تعارضها قدرة فهي المؤذنة بالخراب وأما قدرة المحارب فإنما هي إخافة يجعلها ذريعة لاخذ الأموال والمدافعة عنها بيد الكل موجودة شرعا وسياسة فليست من القدر المؤذن بالخراب والله قادر على ما يشاء. ومن أشد الظلامات وأعظمها في إفساد العمران تكليف الاعمال وتسخير الرعايا بغير حق وذلك أن الاعمال من قبيل المتمولات كما سنبين في كتاب الرزق لان الرزق والكسب إنما هو قيم أعمال أهل العمران فإذا مساعيهم وأعمالهم كلها متمولات ومكاسب لهم بل لا مكاسب لهم سواها فان الرعية المعتملين في العمارة إنما معاشهم ومكاسبهم من اعتمالهم ذلك فإذا كلفوا العمل في غير شأنهم واتخذوا سخريا في معاشهم بطل كسبهم واغتصبوا قيمة عملهم ذلك وهو متمولهم فدخل عليهم الضرر وذهب لهم حظ كبير من معاشهم بل هو معاشهم بالجملة وإن تكرر ذلك عليهم أفسد آمالهم في العمارة وقعدوا عن السعي فيها جملة فأدى ذلك إلى انتقاض العمران وتخريبه والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق وأعظم من ذلك في الظلم وإفساد العمران والدولة التسلط على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان ثم فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان على وجه الغصب والاكراه في الشراء والبيع وربما تفرض عليهم تلك الأثمان على التواحي والتعجيل فيتعللون في تلك الخسارة التي تلحقهم بما تحدثهم المطامع من جبر ذلك بحوالة الأسواق في تلك البضائع التي فرضت عليهم بالغلاء إلى بيعها بأبخس الأثمان وتعود خسارة ما بين الصفقتين على رؤوس أموالهم وقد يعم ذلك أصناف
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»