قال الطبري لما ذكر قتال الجبيري فولى الخوارج عليهم شيبان بن عبد العزيز اليشكري ويلقب أبا الذلفاء قاتلهم مروان بعد ذلك بالكراديس وأبطل الصف من يومئذ انتهى. فتنوسي قتال الزحف بإبطال الصف ثم تنوسي الصف وراء المقاتلة بما داخل الدول من الترف وذلك أنها حينما كانت بدوية وسكناهم الخيام كانوا يستكثرون من الإبل وسكنى النساء والولدان معهم في الاحياء فلما حصلوا على ترف الملك وألفوا سكنى القصور والحواضر وتركوا شأن البادية والقفر نسوا لذلك عهد الإبل والظعائن وصعب عليهم اتخاذها فخلفوا النساء في الاسفار وحملهم الملك والترف على اتخاذ الفساطيط والأخبية فاقتصروا على الظهر الحامل للاثقال (1) والأبنية وكان ذلك صفتهم في الحرب ولا يغني كل الغناء لأنه لا يدعو إلى الاستماتة كما يدعو إليها الأهل والمال فيخف الصبر من أجل ذلك وتصرفهم الهيعات وتخرم صفوفهم. ولما ذكرناه من ضرب المصاف وراء العساكر وتأكده في قتال الكر والفر صار ملوك المغرب يتخذون طائفة من الإفرنج في جندهم واختصوا بذلك لان قتال أهل وطنهم كله بالكر والفر والسلطان يتأكد في حقه ضرب المصاف ليكون ردءا للمقاتلة أمامه فلا بد من أن يكون أهل ذلك الصف من قوم متعودين للثبات في الزحف وإلا أجفلوا على طريقة أهل الكر والفر فانهزم السلطان والعساكر بأجفالهم فاحتاج الملوك بالمغرب أن يتخذوا جندا من هذه الأمة المتعودة الثبات في الزحف وهم الإفرنج ويرتبون مصافهم المحدق بهم منها هذا على ما فيه من الاستعانة باهل الكفر وإنهم استخفوا ذلك للضرورة التي أريناكها من تخوف الأجفال على مصاف السلطان والإفرنج لا يعرفون غير الثبات في ذلك لان عادتهم في القتال الزحف فكانوا أقوم بذلك من غيرهم مع أن الملوك في المغرب إنما يفعلون ذلك عند الحرب مع أمم العرب والبربر وقتالهم على الطاعة وأما في الجهاد فلا يستعينون بهم حذرا من ممالاتهم على المسلمين هذا هو الواقع لهذا العهد وقد أبدينا سببه والله بكل شئ عليم * وبلغنا أن أمم الترك لهذا العهد قتالهم مناضلة بالسهام وأن تعبئة الحرب عندهم بالمصاف وأنهم يقسمون بثلاثة صفوف يضربون صفا وراء صف ويترجلون عن خيولهم ويفرغون سهامهم بين أيديهم ثم يتناضلون
(٢٧٤)