الغلات وحصلت بضائع التجارة من سائر الأنواع فلا ينتظرون به حوالة الأسواق ولا نفاق البياعات لما يدعوهم إليه تكاليف الدولة فيكلفون أهل تلك الأصناف من تاجر أو فلاح بشراء تلك البضائع ولا يرضون في أثمانها إلا القيم وأزيد فيستوعبون في ذلك ناض أموالهم وتبقى تلك البضائع بأيديهم عروضا جامدة ويمكثون عطلا من الإدارة التي فيها كسبهم ومعاشهم وربما تدعوهم الضرورة إلى شئ من المال فيبيعون تلك السلع على كساد من الأسواق بأبخس ثمن وربما يتكرر ذلك على التاجر والفلاح منهم بما يذهب رأس ماله فيقعد عن سوقه ويتعدد ذلك ويتكرر ويدخل به على الرعايا من العنت والمضايقة وفساد الأرباح ما يقبض آمالهم عن السعي في ذلك جملة ويؤدي إلى فساد الجباية فان معظم الجباية إنما هي من الفلاحين والتجار ولا سيما بعد وضع المكوس ونمو الجباية بها فإذا انقبض الفلاحون عن الفلاحة وقعد التجار عن التجارة وذهبت الجباية جملة أو دخلها النقص المتفاحش وإذا قايس السلطان بين ما يحصل له من الجباية وبين هذه الأرباح القليلة وجدها بالنسبة إلى الجباية أقل من القليل ثم إنه ولو كان مفيدا فيذهب له بحظ عظيم من الجباية فيما يعانيه من شراء أو بيع فإنه من البعيد أن يوجد فيه من المكس ولو كان غيره في تلك الصفقات لكان تكسبها كلها حاصلا من جهة الجباية ثم فيه التعرض لأهل عمرانه واختلال الدولة بفسادهم ونقصهم فان الرعايا إذا قعدوا عن تثمير أموالهم بالفلاحة والتجارة نقصت وتلاشت بالنفقات وكان فيها تلاف أحوالهم فافهم ذلك وكان الفرس لا يملكون عليهم إلا من أهل بيت المملكة ثم يختارونه من أهل الفضل والدين والأدب والسخاء والشجاعة والكرم ثم يشترطون عليه مع ذلك العدل وأن لا يتخذ صنعة فيضر بجيرانه ولا يتاجر فيحب غلاء الأسعار في البضائع وأن لا يستخدم العبيد فإنهم لا يشيرون بخير ولا مصلحة. واعلم أن السلطان لا ينمي ماله ولا يدر موجوده إلا الجباية وإدرارها إنما يكون بالعدل في أهل الأموال والنظر لهم بذلك فبذلك تنبسط آمالهم وتنشرح صدورهم للاخذ في تثمير الأموال وتنميتها فتعظم منها جباية السلطان وأما غير ذلك من تجارة أو فلح فإنما هو مضرة عاجلة للرعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة وقد ينتهي الحال بهؤلاء المنسلخين للتجارة
(٢٨٢)