تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٨٣
والفلاحة من الأمراء والمتغلبين في البلدان أنهم يتعرضون لشراء الغلات والسلع من أربابها الواردين على بلدهم ويفرضون لذلك من الثمن ما يشاءون ويبيعونها في وقتها لمن تحت أيديهم من الرعايا بما يفرضون من الثمن وهذه أشد من الأولى وأقرب إلى فساد الرعية واختلال أحوالهم وربما يحمل السلطان على ذلك من يداخله من هذه الأصناف أعني التجار والفلاحين لما هي صناعته التي نشأ عليها فيحمل السلطان على ذلك ويضرب معه بسهم لنفسه ليحصل على غرضه من جمع المال سريعا ولا سيما مع ما يحصل له من التجارة بلا مغرم ولا مكس فإنها أجدر بنمو الأموال وأسرع في تثميره ولا يفهم ما يدخل على السلطان من الضرر بنقص جبايته فينبغي للسلطان أن يحذر من هؤلاء ويعرض عن سعايتهم المضرة بجبايته وسلطانه والله يلهمنا رشد أنفسنا وينفعنا بصالح الاعمال والله تعالى أعلم الفصل الواحد والأربعون في أن ثروة السلطان وحاشيته انما تكون في وسط الدولة والسبب في ذلك أن الجباية في أول الدولة تتوزع على أهل القبيل والعصبية بمقدار غنائهم وعصبيتهم ولان الحاجة إليهم في تمهيد الدولة كما قلناه من قبل فرئيسهم في ذلك متجاف لهم عما يسمون إليه من الاستبداد عليهم فله عليهم عزة وله إليهم حاجة فلا يطير في سهمانه من الجباية إلا الأقل من حاجته فتجد حاشيته لذلك وأذياله من الوزراء والكتاب والموالي متملقين في الغالب وجاههم متقلص لأنه من جاه مخدومهم ونطاقه قد ضاق بمن يزاحمه فيه من أهل عصبيته فإذا استفحلت طبيعة الملك وحصل لصاحب الدولة الاستبداد على قومه قبض أيديهم عن الجبايات إلا ما يطير لهم بين الناس في سهمانهم وتقل حظوظهم إذ ذاك لقلة غنائهم في الدولة بما انكبح من أعنتهم وصار الموالي والصنائع مساهمين لهم في القيام بالدولة وتمهيد الامر فينفرد صاحب الدولة حينئذ بالجباية أو معظمها ويحتوي على الأموال ويحتجنها للنفقات في مهمات الأحوال فتكثر ثروته وتمتلئ خزائنه ويتسع نطاق جاهه ويعتز على سائر قومه فيعظم حال حاشيته وذويه من وزير وكاتب وحاجب ومولى وشرطي ويتسع جاههم ويقتنون الأموال ويتأثلونها ثم إذا أخذت الدولة في
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»