وفي التسرع في الحرب إلا عن بيان ضياع والله لولا ذلك لأمرته لكن الحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث هذا كلام عمر وهو شاهد بأن التثاقل في الحرب أولى من الخفوف حتى يتبين حال تلك الحرب وذلك عكس ما قاله الصيرفي إلا أن يريد أن الصدم بعد البيان فله وجه والله تعالى أعلم * ولا وثوق في الحر بالظفر وإن حصلت أسبابه من العدة والعديد وإنما الظفر فيها والغلب من قبيل البحث والاتفاق وبيان ذلك أن أسباب الغلب في الأكثر مجتمعة من أمور ظاهرة وهي الجيوش ووفورها وكمال الأسلحة واستجادتها وكثرة الشجعان وترتيب المصاف ومنه صدق القتال وما جرى مجرى ذلك ومن أمور خفية وهي إما من خداع البشر وحيلهم في الارجاف والتشانيع التي يقع بها التخذيل وفي التقدم إلى الأماكن المرتفعة ليكون الحرب من أعلى فيتوهم المنخفض لذلك وفي الكمون في الغياض ومطمئن الأرض والتواري بالكدى حول العدو حتى يتداولهم العسكر دفعة وقد تورطوا فيتلممون إلى النجاة وأمثال ذلك وإما أن تكون تلك الأسباب الخفية أمورا سماوية لا قدرة للبشر على اكتسابها تلقى في القلوب فيستولي الرهب عليهم لاجلها فتختل مراكزهم فتقع الهزيمة وأكثر ما تقع الهزائم عن هذه الأسباب الخفية لكثرة ما يعتمل لكل واحد من الفريقين فيها حرصا على الغلب فلا بد من وقوع التأثير في ذلك لأحدهما ضرورة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة ومن أمثال العرب رب حيلة أنفع من قبيلة فقد تبين أن وقوع الغلب في الحروب غالبا عن أسباب خفية غير ظاهرة ووقوع الأشياء عن الأسباب الخفية هو معنى البخت كما تقرر في موضعه فاعتبره وتفهم من وقوع الغلب عن الأمور السماوية كما شرحناه معنى قوله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر وما وقع من غلبه للمشركين في حياته بالعدد القليل وغلب المسلمين من بعده كذلك في الفتوحات فان الله سبحانه وتعالى تكفل لنبيه بالقاء الرعب في قلوب الكافرين حتى يستولي على قلوبهم فينهزموا معجزة لرسوله صلى الله عليه وسلم فكان الرعب في قلوبهم سببا للهزائم في الفتوحات الاسلامية كلها إلا أنه خفي عن العيون * وقد ذكر الطرطوشي أن من أسباب الغلب في الحرب أن تفضل عدة الفرسان المشاهير من الشجعان في أحد الجانبين على عدتهم في الجانب
(٢٧٧)