وسار حتى انتهى إلى أرض سلوقة (1) وكانت بها حية تخرج عن الحد والمقدار، فرأوها ممتدة فظنوها ميتة، فهمموا عليها فوجدوها حية.
فرجعوا عنها هاربين وتعوذوا منها بالرقا.
وتزعم القبط أنه سحرها، ومنعها من الحركة، وتركها على حالها، فلم تتحرك حتى هلكت ويقال إن طول هذه الحية ميل وإنها كانت تبتلع الفيلة.
وسار إلى مدينة الكند وهي مدينة الحكماء، فهربوا إلى جبل وعركان لهم صعدوا إليه من داخل مدينتهم من مواضع لا يقدر هو ولا أصحابه على الصعود فيها، فأقام على تلك الطريق يحرسها حتى عدم الماء، ولم يجد منه شيئا وضاع أصحابه، وكادوا أن يهلكوا عطشا.
فنزل إليه رجل منهم يقال له ميدوش وكان من أفاضل الحكماء وقد غطى شعره جسده، فقال له أيها الملك المغرور أين تريد، وقد مد لك في الاجل، ورزقت فوق الكفاية؟ ففيم تتعب نفسك وجيشك، هلا قنعت بما تملكه، واتكلت على خالقك الذي وهبك الغنى، وأعانك بهذا الخلق!
فعجب نهراوس من قوله وسأله عن الماء فدله عليه. وسأله عن موضعهم إذ لم يكن أصاب في جيشهم أثرا لسكناهم. قال نحن في موضع لا يصل إليه أحد.
قال فما معاشكم؟ قال من أصول نبات لنا نعتصم به ونقنع فيقيتنا ويكفينا اليسير منه.
قال فمن أين تشربون؟ قال من غدران لنا في الأرض يجتمع إليها الماء من الأمطار والثلوج.
قال فلم هربتم عنا؟ قال رغبة عن جواركم، وزهادة في خلطتكم وكراهة لقربكم، وإلا فليس لنا ما نخافكم عليه.
قال فأين تكونون إذا حميت الشمس؟ قال في غيران لنا تحت هذا الجبل.
قال فهل تحتاجون إلى مال أخلفه لكم؟ قال إنما يحتاج إلى هذا المال أهل