العمالقة يقال له عابد بن سجوم، ويكنى بأبي قابوس، فسار قاصدا إلى مصر حتى نزل على حد من حدودها.
فأنفذ إليه العزيز جيشا وجعل عليه قائدا يقال له دوناس، فقتله ذلك الملك وهزم عسكره، ودخل حدود مصر فهدم أعلاما ومصانع كثيرة، واشتد طمعه في مصر وجهاتها.
واتصل خبره بأهل مصر فأعظموا ذلك وأكبروه واجتمعوا إلى العزيز، فأمرهم أن يسيروا إلى قصر الملك، فأتوا إلى قصر الملك وجعلوا يصيحون ويستغيثون، فسمعهم نهراوس، فسأل عن حالهم، فأخبر خبر العمالقي وأنه قد دخل حدود مصر وعاث فيها، وأفسد مزارعها وغير مصانعها، وهدم أعلامها وأنه مقبل بجيوشه يريد قصر الملك، فارتاع لذلك وأنف منه، وانتبه من غفلته.
وتذكر القبط أنه سمع نياح الجن على أبيه، فارتاع لذلك فعرض جيشه وأصلح أمره، وخرج إلى العمالقي واتبعه إلى حدود الشام. وقتل أكثر أصحابه، وأفسد الزرع وقطع الأشجار، وأحرق الديار، وصلب من أسره من الجيوش، ونصب أعلاما على الموضع الذي بلغه أي لمن جاوز هذا المكان.
وقيل إنه بلغ الموصل، وضرب على أهل الشام خراجا، وبنى عند العريش مدينة عظيمة وشحنها بالرجال وملا تلك النواحي بالجنود، وانصرف إلى مصر، فلما فعل ذلك هابته الملوك، وفزعوا منه وأعظموه وهادوه وصالحوه.
ولما استقر بمصر حشد جنوده من جميع الأعمال، واستعد لغزو ملوك الغرب، فخرج في تسعمائة ألف [مقاتل] واتصل بالملوك خبره، فمنهم من تنحى عن طريقه، ومنهم من دخل في طاعته، ومنهم من بذل الأموال والذخائر وصالح بلده، ومنهم من قهره واستباحه.