أخبار الزمان - المسعودي - الصفحة ٢٦٧
وتغلب أحد ملوك الكنعانين على الشام وامتنع أهله ان يحملوا الضريبة إلى ملك مصر، وأقبل على ملازمة الهياكل والتعبد فيها، فأعظم الناس أمره فتجبر في نفسه، وأمر الناس أن يسموه ربا، وترفع ان ينظر في شئ من أمر المملكة، فجمع الناس وقال لهم قد رأيت أن أجعل امر الملك إلى ابني اقسامس وأكون من ورائه إلى أن يغيب شخصي عنكم كما وعدت، فرضوا ذلك، وقالوا الامر أمر الملك ونحن عبيده، ومن رضيته الآلهة فحكم الخلق أن يرضوه ولا يخالفوه.
فأقام ابنه أقسامس (1) الملك، وجلس أقسامس على سرير الملك، وتوج بتاج أبيه وأقام الناظرون (2) بين يديه ورتب الناس مراتبهم، وقسم الكور والأعمال، نوأمر بأبساط العمارات، وأوسع على الناس في أرزاقهم، وعلا أمره وطال ملكه، وعمل مدنا كثيرة أسفل الأرض وعجائب كثيرة يطول ذكرها، ويقال إن بخت نصر لما ظفر بمصر أخذ من عمله عجائب كثيرة، فأقام أول ولايته سبع سنين بأجمل أمر وأصلح حال.
ومات وزير أبيه فاستخلف رجل من أهل بيت المملكة، يقال له طلما (3)

(1) في ق: كاشيم.
(2) لعل الصواب وأقام القاطرون، وقد تقدم معنى ذلك في صدر الكتاب.
(3) في ق: ظلما، وقد جاء فيه زيادة لا بأس من ايرادها ههنا وهي " وكان يقال له ظلما، وكان شجاعا كاهنا حكيما متصرفا في كل فن، وكانت نفسه تنازعه الملك، قيل هو من ولد اشمون وقيل من ولد صاو، وقيل من العمالقة. وكان يقوم بأمر البلد كما كان العزيز مع الوليد.
وقيل سبب استخلافه الملك أنه كان عطارا بأصبهان فأفلس وركبه الدين فخرج هاربا من الدين واتى الشام فلم يستقم حاله، فجاء إلى مصر فرأى على باب المدينة حمل بطيخ فسأل عن سعره فقيل بدرهم، فدخل المدينة فسأل عن سعره فقيل كل بطيخة بدرهم، فقال: من هنا أقضي ديني! فاشترى حملا بدرهم وأتى المدينة فنهبه البوابون فما بقي منه الا بطيخة واحدة فباعها بدرهم، فقال ما هذا؟ ما هنا أحد ينظر في مصالح الناس؟ فقالوا: ملكنا مشغول بلذات نفسه وفوض الامر إلى الوزير، ولا ينظر في شئ فخرج فرعون إلى المقابر، فجعل لا يمكن أحدا من الدفن الا بخمسة دراهم فأقام على ذلك مدة لم يتعرض له أحد فماتت بنت الملك، فقال: هاتوا خمسة دراهم، فقالوا ويحك هذه بنت الملك، فقال: هاتوا عشرة درهم، فلم يزل يضاعفها إلى أن وصلت إلى مائة درهم، فأخبروا الملك بحديثه، قال: ومن هذا؟ قالوا: عامل الأموات فأرسل إلى الوزير فسأله عنه، فأنكر حاله فأحضره الملك وقال: من أنت؟ فأخبره بخبر البطيخ، وقال ما عملت عامل الموتى الا حتى يصل خبري إليك وتحضرني لأنصحك لتستيقظ من نومك، وتحفظ ملكك والا ذهب عنك، فاستوزره فسار في الناس سيرة حسنة، وفي زمانه شكى القبط إليه حال الإسرائيليين، فقال: هم عبيدكم فافعلوا بهم ما بدا لكم. فكان القبطي يضرب الإسرائيلي فلا يقدر ان يغير عليه أحد، وان ضرب الإسرائيلي القبطي قتل.
وبنى في زمانه مدنا كثيرة، وأعلاما ومصانع وطلسمات، ومن أعجب ما عمل التنور الذي يشوى فيه بغير نار، والسكين تنصب فإذا رآها شئ من البهائم أقبل عليها حتى يذبح نفسه بها، والماء الذي يستحيل هواء وأشياء من النيرنج.
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة الناشر 5
2 مقدمة الطبعة الأولى 7
3 من هو المسعودي 20
4 فاتحة الكتاب 23
5 ذكر عمر الدنيا 31
6 ذكر الامام المخلوقات قبل آدم 32
7 ذكر الجن وأجناسهم وقبائلهم 33
8 ذكر الأرض وما فيها 40
9 ذكر البحر المحيط وما فيه من العجائب 41
10 خبر تنيس 48
11 ذكر آدم عليه السلام 71
12 ذكر شئ من اخبار ولده 76
13 حام بن نوح عليه السلام 86
14 ذكر كنعان بن حام 87
15 ذكر يافث بن نوح 91
16 ذكر يأجوج ومأجوج 91
17 ذكر الصقالبة 92
18 ذكر اليونانيين 93
19 ذكر الصين 94
20 ذكر الأهتردة 96
21 ذكر الإفرنج 96
22 مملكة الأندلس 96
23 ذكر مملكة البرجان 97
24 ذكر مملكة الترك 98
25 ذكر مملكة الروم 99
26 ذكر مملكة الفرس 100
27 ذكر مملكة خراسان 101
28 ذكر سام بن نوح 102
29 ذكر إبراهيم عليه السلام 103
30 ذكر إسماعيل عليه السلام 103
31 حدث البلبلة 104
32 ذكر عاد 104
33 ذكر عناق بنت آدم عليه السلام 116
34 ذكر اخبار الكهان من العرب 117
35 خبر اليمامة الزرقاء 124
36 قونية الكاهنة 129
37 خبر الكهان بعد الطوفان 131
38 أول من بني الأهرام 134
39 ذكر ملوك مصر قبل الطوفان 135
40 ذكر دخولهم البلدة وحروبهم 137
41 ذكر ملوك مصر بعد الطوفان 180