روائح منتنة، هلك بها كثير من أصحابه فأسرع بالنزول بعد أن كاد يهلك.
وذكر قوم أنه لم ير هناك شمسا ولا قمرا إلا نورا أحمر كنور الشمس عند غروبها وقالوا إنه أقام في غيبته مدة عشرين سنة.
وان عونا علامة تجبر بمصر بعد سبع سنين من مسيره، وادعى انه الملك، وادعى انه لم يكن عبد الوليد، وانه أخوه وله الملك من بعده وريب على الناس، واستعان بالسحرة عليهم وأسنى جوائز السحرة والكهنة، ولم يمنعهم محابهم، فمال إليه الناس ووثقوا بأمره ولم يترك امرأة من بنات ملوك مصر إلا نكحها، ولا مالا إلا أخذه وقتل صاحبه.
وكان مع ذلك يكرم الهياكل والكهنة، فكان الناس يمسكون عنه اشفاقا منهم من السحرة الذين أطافوا به إلى أن رأي في منامه الوليد، وكان يقول له من أمرك أن تتسمى باسم الملك؟
وقد علمت أنه من فعل استحق القتل، ونكحت إلى ذلك بنات الملوك، وأخذت الأموال بغير واجب، وكأنه أمر بقدور فملئت زفتا ثم غليت على النار وأحميت، وكأنه يغمسه فيها فلما غليت أمر بنزع ثيابه، فأتى طائر في صورة عقاب فاختطفه من أيديهم وعلق به في الجو، فجعله في هوة على رأس جبل، وكأنه سقط من رأس الجبل إلى واد فيه حمأة منتنة.
فانتبه مذعورا طائر القلب، وكان في طول فعله ذلك في تملكه إذا خطرت بقلبه من ذكر الوليد خطرة يكاد عقله أن يزول فرقا منه، لما يعلمه من فظاظته وبطشه وقوته.
وكاد مرة يوقن بهلاكه لطول غيبته وانقطاع خبره، وكان مرة يخاف أنه حي.
فلما رأى الرؤيا لم يشك في حياة الوليد، فأضمر في نفسه الهرب من مصر في الأموال، فأطلع بعض السحرة ممن كان يثق به على أموره.