الروم، فقتل وسبى، وغلب على مدن كثيرة من الجزيرة والشأم منها: الرها، ومنبج، وقنسرين، والعواصم، وحلب، وأنطاكية، وافامية، وحمص وغيرها، وأعجبته أنطاكية، فبنى مدينة مثلها لم يخرم منها شيئا، ثم جاء بسبي أنطاكية، فأرسلهم فيها، فلم ينكروا شيئا.
ومسح أنوشروان البلاد، ووضع عليها الخراج، والزم كل جريب من الغلات بقدر احتماله، فلم تزل السنة جارية على ذلك، والبلاد عامرة.
ورتب لديوان المقاتلة رجلا رضي حزمه وعزمه، وأخذ مقاتلته مما يحتاج إليه من السلاح، وجعل ديوان العطاء، ودفاتر الأسماء والحلى، وسمات الدواب، وديوان العرض على مثل ذلك.
وكان أنوشروان نبيلا، كريما، ظاهر العدل، لا يسأله إنسان شيئا إلا أجابه، فسار إليه سيف بن ذي يزن، فأعلمه أن الحبشة قدمت بلاد اليمن، وغلبت عليها، وانه صار إلى هرقل ملك الروم، فلم يجد عنده ما يحب، فبعث معه بأهل السجون في البحر، وقود عليهم رجلا من مشيخة قواده شجاعا مجربا يقال له وهرز، فصار إلى بلاد اليمن، حتى قتل الحبشة، وأفناهم، ورمى ملكهم أبرهة فقتله، وأقام في البلد وملك سيف بن ذي يزن.
وعقد أنوشروان لابنه هرمز الملك من بعده، وكانت أم هرمز بنت خاقان ملك الترك، وكتب له في ذلك كتابا بالعهد، وأمره فيه بما يأمر به مثله، وأوصاه أحسن الوصايا، وامتحنه، فوجده بحيث يحب، وأجابه على كل ما قال له بجواب سديد، وتنكر (1)، ولا يأتيه إلا بقول حسن لطيف، وهلك أنوشروان، وكان ملكه ثمانيا وأربعين سنة.
ثم ملك هرمز بن أنوشروان، فقرأ على الناس كتابا عاما يعد فيه بالعدل والانصاف، والعفو والاحسان، ويأمرهم بما فيه الصالح، ونال ظفرا وعزا، ففتح عدة مدائن، ثم اجترأ أعاديه عليه، وغزوا بلاده، وكان أغلظ الأعداء .