واحتجوا بنحو هذا.... (1) آخر فقالوا: ان كانت الأشياء كلها تدرك بالعلم والعلم بالعلم فإلى نهاية أو إلى لا نهاية، فإن تناهى، فإلى غير معلوم، وما لم يكن معلوما، فهو مجهول، فأنى تعلم الأشياء بمجهول، فإن لم تتناه، ولم تكن لذلك غاية، فلا إحاطة به، وما لم يحط به، فمجهول أيضا، فكان الوجهان في هذا القياس مجهولين غير معلومين، فأنى يعلم شئ مجهول دون أن يعلم جميع الأشياء، وذلك أبعد.
وشققوا في هذين النوعين، وكثر سعيهم، وعظمت مؤنتهم، وقالت طائفة تسمى الدهرية: لا دين، ولا رب، ولا رسول، ولا كتاب، ولا معاد، ولا جزاء بخير، ولا بشر، ولا ابتداء لشئ، ولا انقضاء له، ولا حدوث، ولا عطب، وإنما حدوث ما سمي حدثا تركيبه بعد الافتراق، وعطبه تفريقه بعد الاجتماع، وجميع الوجهين في الحقيقة حضور غائب ومغيب حاضر.
وإنما سميت الدهرية لزعمها ان الانسان لم يزل، ولن يزول، وان الدهر دائر لا أول له، ولا آخر، واحتجوا فيما ادعوا بأن قالوا: إنما يعرف في وجود الشئ وفقده حالان لا ثالث لهما: حال الشئ فيها موجود، فأنى يحدث ما قد كان ووجد، وحال لا شئ فيها، فأنى يكون الشئ في حال لا تشبيه لها، وذلك أبعد.
وكذلك القول في المدعي العطب فهو لا يعرف غير حالين: حال الشئ فيها قائم، فمحال قول من ادعى العطب للشئ، في حال كونه وقيامه، وحال لا شئ فيها، فأنى يكون العطب الأدنى، وذلك محال، فإن أقر مخالفونا بصدقنا دخلوا في قولنا ونقضوا قولهم، وإن أنكروا قولنا ادعوا حالا ثالثة لا عدم فيها ولا وجود، فذلك أقبح الثلاثة حالة.
وقالت فرقة منهم: ان أصل الأشياء في الأزلية حبة كانت، فانفلقت، فبدا منها العالم على ما ترى من اختلافه في ألوانه واحساسه، وزعم بعضهم انه .