غير مختلف في معانيه، وإنما تختلف معانيه من جهة إحساسه، وأنكر بعضهم ذلك، وأثبتوا له اختلافا في معانيه وتحقيقه، وقالت المنكرة لتحقيق الاختلاف:
الأشياء إنما تختلف باختلاف الاحساس لها، وانه لا حقيقة لشئ منها تبين بها دون غيرها.
وادعوا من الدلالات في ذلك أن أهل المرض الحادث من الصفراء مثل أصحاب اليرقان، إذا ذاق أحد منهم العسل وجده مرا، وأهل السلامة من هذا الداء يجدونه حلوا، وإن الخفاش يغشيه ضوء النهار، ويذكي بصره الليل، فإن كان النور يزيد الابصار نورا، والظلمة مغشية لها، وجب أن يكون نور النهار الظلمة للخفاش وغيره، تغشي بصره النار، وقد يوجد ذلك في بعض الناس وغيرهم من الحيوان والطير وغيره، وإن الليل إذا كان مذكيا للأبصار على ما وصفنا، فليلها نور، كما أن النهار نور لمن خالفها، والليل ظلمة لها، فإن قلتم: إن ذلك لآفة دخلت على هذه الأصناف، قلنا لكم: عند من خالفهم أو عند من وافقهم؟ فإن قلتم: عند من خالفهم، قلنا: بل الآفة دخلت على من وافقهم، فإن قلتم: عند من وافقهم، قلنا: بل الآفة دخلت على من خالفهم عندهم، فلا فضل لاحد الصنفين على أحد.
وقالوا: ألا ترون الكاتب يكتب الكتاب عدلا مستقيما، فيراه كذلك من قبل وجهه، فإن نظر إليه من خلفه رآه بخلاف ما كان يعرف، وان ازور عنه معوجا أو خالفه رآه مخالفا، كما تكتب الألف في صورة تميز من جميع الحروف، فإذا استقبلتها رأيتها ألفا، وإذا استدبرتها رأيتها كالباء، وإذا انحرفت عنها رأيتها كالنون، أو كالباء، وان الغائب عن موضعه حاضر موضعا آخر.
وكذلك القول في الألوان والأصوات والطعوم والأعيان والملابس، كما ترى الشخص من قرب كبيرا، وصغيرا من بعد، كلما قرب الداني منه ازداد كبرا، وكلما بعد منه ازداد صغرا في عينه.