تلك هي حياة أحمد بن يحيى العامة. أما حياته العلمية فقد كانت أخصب وأكثر ثمارا. فقد نشأ في بغداد وأخذ عن علمائها في النصف الأول من القرن الثالث. وحضر حلقاتهم في الحديث والأدب والسير. وكان أكثر من أخذ عنهم الحسين بن علي الأسود (254 ه) والقاسم بن سلام (224 ه) وعلي بن محمد المدائني (225 ه) ومحمد بن سعد كاتب الواقدي (230 ه) (1) وقد ذكرت المصادر معرفته الفارسية (2). ولعلمه تعلمها، وكانت لغة أجداده إذا ذهبنا إلى أن أصله من الفرس وكذلك يبدو أنه أحاط بطرف من ثقافة الروم. فنحن نراه يجادل أمام المتوكل في كيفية التاريخ عندهم (3).
وبعد أن أخذ طرفا كبيرا من علم أهل العراق توجه إلى الشام. فسمع في دمشق عالمها هشام بن عمار (246 ه) وأبا حفص الدمشقي (225 ه).
وطاف في بلاد الشام فزار حمص وسمع فيها من محمد بن مصفى (246 ه) ثم حلب ومنبج، وأنطاكية، وثغور الروم، والجزيرة، والرقة (4) وتكريت.
لا ندري على الدقة متى كانت رحلته إلى الشام، فهو لم يذكر متى طاف بهذه البلاد، ولكننا نرجح أن ذلك كان بعد وفاة المأمون سنة 218 ه، أي في زمن المعتصم، فنحن لا نسمع شيئا عنه في هذه الفترة، يضاف إلى ذلك أن أبا حفص الدمشقي الذي سمع منه بدمشق توفى سنة 225 ه. فلابد أنه سمع منه قبل ذلك.