وهكذا جمع صاحبنا إلى علم أهل العراق علم أهل الشام. وقد كانت رحلته هذه وسيلة لاكتسابه ثقافة جديدة أفادته في كتابه فتوح البلدان. فقد أخذ كثيرا عن أهل دمشق وحمص ومنبج والرقة والثغور وأنطاكية أخبار فتوحهم وأثبتها في كتابه إلى جانب أخبار أخرى.
وقد كان لأساتذته وثقافته ورحلاته وتردده على قصور الخلفاء أثر في إنتاجه وفى نوع هذا الانتاج. فقد استفاد بطريق ابن سعد جميع روايات الواقدي في الفتوح.
واستفاد من المدائني نفسه رواياته في كتبه الكثيرة في الفتوح والبلدان. وأخذ بطريق حفيد ابن الكلى ما رواه جده في الأنساب. وأخذ عن القاسم بن سلام أمور العشر والخراج. فكان بعد ذلك مؤرخا للبلدان، وكان نسابة، وراوية شاعرا. وهذه الاتجاهات هي التي ظهرت بعد في كتبه.
وثمة تأثير آخر لمعرفته الفارسية هو نقله آثار الفرس إلى العربية، حتى نعته ابن النديم بأنه كان أحد النقلة إلى اللسان العربي.
هذه الثقافة الحضارية المطمة أهلته أن يكون عالما مؤلفا وأن يكون نديما للخلفاء، وأن يأخذ عنه كثيرون.
وقبل أن نتكلم على إنتاجه بالتفصيل يجدر أن نذكر أن تلاميذ أحمد بن يحيى كانوا كثرا. يكفي أن نذكر أنه أستاذ وكيع القاضي، وجعفر بن قدامة صاحب الخراج. وقد ذهب دخويه (1) إلى أن صاحب الفهرست محمد بن إسحاق النديم كان تلميذه. وهذا خطأ. ومصدره الترجمة التي كتبت بخط المقريزي في أول فتوح البلدان. والصحيح أن الذي أخذ عنه هو يحيى بن النديم. فقد تصحفت يحيى إلى محمد. والمعروف أن صاحب الفهرست لم يدرك البلاذري ومات بعده بما يقرب من مئة سنة، فقد مات يقينا بعد سنة 375. ويحيى بن النديم هذا هو يحيى بن المنجم، وكان من أسرة كانت ندامى للخلفاء (2).