وهكذا كانت تقترب حياة أحمد بن نهايتها، وهو مبعد عن الخلفاء صفر اليدين، يطلب الرزق من أبواب الوزراء فيعطى مرة ويجفى مرات، فلا يجد ما ينفس به ألمه وعجزه ونقمته وأنفته إلا الهجاء.
وقد حفظ لنا ياقوت بعض أهاجي صاحبنا في هؤلاء الوزراء وغيرهم من الكتاب. ولعل هذه الأهاجي هي التي جعلت المصادر تذكر أنه كان هجاء آخذا في الاعراض.
ومات أحمد بن يحيى في آخر خلافة المعتمد سنة 279 ه على الأرجح. وقد تجاوز الثمانين من عمره، إذا افترضنا أنه ولد في أواخر القرن الثاني وأتيح له أن يمدح المأمون الذي توفى سنة 218 ه، وهو في العشرين.
وقد كان لموته قصة ذكرها ابن النديم (1) وتابعته المصادر عليها. ذكر أنه شرب في آخر عمره حب البلاذر فوسوس، وشد في المارسنان ومات فيه. وسمى بعد موته بالبلاذري.
وهذه القصة تثير الشك. وقد شك بها ياقوت منذ القرن السابع. ذلك أن الجهشياري ينعت جد أحمد بن يحيى، الذي كان كاتبا للخصيب، بالبلاذري.
قال ياقوت: " قال الجهشياري في كتاب الوزراء: جابر بن داود البلاذري.
كان يكتب للخصيب بمصر. هكذا ذكر. " ثم يعقب ياقوت فيقول:
ولا أدرى أيهما شرب البلاذر: أحمد بن يحيى أو جابر بن داود. إلا أن ما ذكره الجهشياري يدل على أن الذي شرب البلاذر هو جده. لأنه قال: جابر بن داود، ولعل ابن ابنه لم يكن حينئذ موجودا " (2).
ومن المؤسف أن طبعة كتاب الجهشياري التي بين أيدينا ناقصة