نشأ أحمد بن يحيى إذن مع القرن الثالث من الهجرة. وكان هذا القرن من أخصب عصور الخلافة العباسية في الثقافة والحضارة والسياسة. كان عصر الترجمة من الفرس واليونان، التي أغنت التراث الاسلامي، وعصر الفن الذي تجلى في قصور المعتصم والمتوكل، وعصر الترف الذي رف بما تدفق على بغداد من أموال وخراج، وعصر الرواية والعلم الذي تجلى في كتب الواقدي والمدائني وابن سعد والقاسم ابن سلام وابن الكلبي. كل ذلك أثر في صاحبنا وأثر في تكوينه وثقافته وحياته.
ويختفي اسم صاحبنا بعد وفاة المأمون، فلا نكاد نجد له ذكرا أيام المعتصم (227 ه) وأيام الواثق (232 ه)، حتى إذا كان أواخر أيام المتوكل وجدناه يجالس الخليفة ويحضر مجالسه فينادمه ويحادثه. ونراه في الاعذار العظيم الذي اقامه المتوكل لابنه المعتز متصدرا في بركوارا قصر الهناء، وهو من أعظم قصور المتوكل مع البحتري، وعلي بن الجهم، والحسين بن الضحاك، وعلي بن ربن الكاتب، ويعقوب بن السكيت، وأبناء حمدون النديم (1). وهذا يدل على مكانته عند المتوكل وشأنه.
وقد وصلت إلينا طرف من مجالسه مع المتوكل (2)، فيما كان يجادل فيه ويناقش، أو فيما كان يرويه عن المتوكل في كتابه فتوح البلدان.
لكن أيام المتوكل لم تطل، فقد قتل سنة 248 ه. ولعله بقى معه في العشر السنوات الأخيرة من خلافته.
وخلف المتوكل ابنه المنتصر، فلم يلبث طويلا حتى قتل أيضا، سنة 248 ه، وكانت خلافته ستة شهور. فخلفه المستعين، وإذا بصاحبنا يتصل به فيكون