وليس للمعرفة وجه إلا لتبصيره (1) وتخييره، ولولا ذاك لم يكن للذي خص به من الإبانة، وتعديل الصنعة، وإحكام البنية (2) معنى. والله يتعالى عن فعل مالا معنى له.
وفى قول الله: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " دليل على ما قلنا.
وليس لاحد أن يخرج بعض الجن والإنس من أن يكون خلق للعبادة إلا بحجة. ولا حجة إلا في عقل، أو كتاب، أو خبر.
فإن قالوا: فإن كان الله إنما أبانهم بالتعديل والتسوية للعبادة والاختيار مع الأمة فحكمهم (3) حكم المسلمين المتعبدين، وإنما الامام إمام المسلمين والمتعبدين.
قلنا: إنما يلزم الناس الامر فيما عرفوا سبيله، وليس للعوام خاصة معرفة بسبيل إقامة الأئمة فيلزمها (4) أمر، أو يجرى عليها نهى.
والعامة وإن كانت تعرف جمل الدين بقدر ما معها من العقول فإنه لم يبلغ من قوة عقولها وكثرة خواطرها أن ترتفع إلى معرفة العلماء، ولم تبلغ من ضعف عقولها أن تنحط إلى طبقة المجانين والأطفال.
وأقدار طبائع العوام والخواص ليست مجهولة فنحتاج إلى الاخبار عنها بأكثر من التنبيه عليها، لأنكم تعلمون أن طبائع الرسل فوق طبائع