واما هديتك ابنة الملك هرقل فهديتها إلى أبيها بعد أسرها تفريط وقد كان يأخذ في فديتها مالا كثيرا يرجع به على الضعفاء من المسلمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وطوى الكتاب وختمه بخاتمة ثم دعا بعامر بن أبي وقاص أخي سعد ودفع الكتاب اليه وقال له انطلق إلى دمشق وسلم كتابي هذا إلى أبي عبيدة وأمره أن يجمع الناس اليه واقرأه أنت على الناس يا عامر واخبره بموت أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم دعا عمر رضي الله عنه شداد بن أوس فصافحه وقال له أمض أنت وعامر إلى الشام فإذا قرأ أبو عبيدة الكتاب فأمر الناس يبايعونك لتكون بيعتك بيعتي قال الواقدي فانطلقا يجدان في السير إلى أن وصلا إلى دمشق والناس مقيمون بها ينتظرون ما يأتيهم من خبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما يأمرهم به فأشرف صاحبا عمر رضي الله عنه على المسلمين وقد طالت أعناقهم اليهما وفرحوا بقدومهما فاقبلا حتى نزلا في خيمة خالد رضي الله عنه وقال له عامر بن أبي وقاص تركته يعني عمر بخير ومعي كتاب وانه أمرني أن اقرأه على الناس بالاجتماع فاستنكر خالد ذلك واستراب الامر وجمع المسلمين اليه فقام عامر أبي وقاص فقرأ الكتاب فلما انتهى إلى وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ارتفع للناس ضجة عظيمة بالبكاء والنحيب وبكى خالد رضي الله عنه وقال إن كان أبو بكر قد قبض وقد استخلف عمر فالسمع والطاعة لعمر وما أمر به وقرأ عامر الكتاب إلى آخره فلما سمع الناس بما فيه من أمر المبايعة لشداد بن أوس بايعوه وكانت المبايعة بدمشق لثلاث خلت من شهر شعبان سنة ثلاث عشر من الهجرة قال الواقدي رحمه الله تعالى قد بلغني أنه كان على العدو بعد عزله أشد فظاعة وأصعب جهادا لا سيما في حصن أبي القدس ذكر حديث وقعة أبي القدس قال الواقدي رحمه الله تعالى سألت من حدث بهذا الحديث عن حصن أبي القدس قال ما بين عرقا وطرابلس مرج يقال له مرج السلسلة وكان بإزائه دير وفيه صوامع وفيه صومعة راهب عالم بدين النصرانية وقد قرأ الكتب السالفة وأخبار الأمم الماضية المتقدمة وكانت تقصده الروم وتقتبس من علمه وله من العمر ما ينوف عن مائة سنة وكان في كل سنة يقوم عند ديره عيد آخر صيام الروم وهو عيد الشعانين فتجتمع الروم والنصارى وغيرهم من جميع النواحي والسواحل ومن قبط مصر ويحدقون به فيطلع عليهم من ذروة له فيعلمهم ويوصيهم بوصايا الإنجيل وكان يقوم في ذلك العيد سوق عظيم من السنة إلى السنة وكان يحمل له الأمتعة والذهب
(٩٧)