وإذا هي قد رجعت تطلب الحرب منا فلما نظرت إليها وقد طرحت المضايق والآجام صحت بالمسلمين اركبوا في طلبها بارك الله فيكم فاستوى المسلمون على خيولهم وركبت معهم وطلبناها حتى وقعت بها وتصيدت منها بعيرا عظيما فقتلته فجعل المسلمون يقتلون ويتصيدون فما بقي منها الا اليسير فبينما أنا فرح وأنا أريد الرجوع بالمسلمين إلى وطنهم إذ عثرت فرسي فطارت عمامتي من على رأسي فهويت لاخذها فانتبهت من منامي وانا فزع مرعوب فهل فيكم أحد يفسره فاني أقول الرؤيا ما نحن فيه قال فصعب ذلك على القوم وجعل خالد يراود نفسه على الرجوع فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه اما تفسير الوحوش فهؤلاء الأعاجم الذين نحن في طلبهم وأما سقوطك عن فرسك فإنه أمر تنحط عليه من رفعه إلى خفضة واما سقوط العمامة عن رأسك فالعمائم تيجان العرب وهي معرة تلحقك فقال خالد اسأل الله العظيم ان كان ذلك تأويل ما رأيته أن يجعله من أمر الدنيا ولا يجعله من امر الآخرة وبالله استعين وعليه أتوكل في كل الأمور قال ثم سار خالد والدليل امامهم حتى قطعوا الجبل فلما كانت الليلة التي أردنا أن نصبح فيها القوم أتى مطر كأفواه القرب وكان من توفيق الله عز وعلا ان حبس القوم عن المسير قال روح بن طريف رضي الله عنه ولقد رايتنا ونحن نسير والمطر ينزل علينا كأفواه القرب طول ليلتنا فلما أصبح الصباح وطلعت الشمس قال يونس أيها الأمير قف حتى أنظر القوم لأنهم لا شك بالقرب منا وقد سمعت صياحهم فقال له خالد بن الوليد أحقا سمعت صياحهم يا يونس قال نعم أيها الأمير وأريد منك أن تأذن لي بالمسير إليهم وآتيك بخبرهم قال فعند ذلك التفت خالد بن الوليد إلى رجل اسمه المفرط بن جعدة قال له يا مفرط سر مع يونس وكن له مؤنسا واحذر ان يأخذ خبركما القوم فقال المفرط السمع والطاعة لله ولك أيها الأمير ثم انطلقا إلى أن صعدا على جبل يقال له الأبرش والروم تسمه جبل باردة قال المفرط فلما علونا عليه وجدنا مرجا واسعا كثير الجنبات كثير النبات وفيه خضرة عظيمة وان القوم قد أصابهم المطر حتى بل رحالهم وقد حميت عليهم الشمس فخافوا اتلافها فأخرجوها واخرجوا الديباج ونشروها في طول المرج وقد نام أكثرهم من شدة السير والتعب والمطر الذي أصابهم قال المفرط بن جعدة فلما رأيت ذلك فرحت فرحا شديدا ورجعت إلى خالد بن الوليد وتركت صاحبي يونس فلما رآني خالد وحدي اسرع إلي وظن أن صاحبي كيد فقال ما وراءك يا ابن جعدة أخبرني وعجل بالخير فقلت الخبر والغنيمة يا أمير القوم خلف هذا الجبل وقد أصابهم المطر وقد وجدوا الراحة بطلوع لشمس وقد
(٨٦)