قال فلما قرأ الأمير أبو عبيدة كتاب هربيس صاحب حمص استشار المسلمين فيما يصنع وكان قد حضر عنده رجل كبير من أكابر خثعم وسيد من ساداتهم اسمه عطاء بن عمرو الخثعمي وكان كبير السن قديم الهجرة سديد الرأي قد قاد الرجال وولى أمر الجيش وحزم العساكر فلما سمع كتاب هربيس وثب قائما على قدميه وقال للأمير أبي عبيدة رضي الله عنه أقسمت عليك أيها الأمير برسول الله صلى الله عليه وسلم الا ما سمعت مقالي فان فيه صلاحا للمسلمين فالله وفقني لمقالة أريد المسلمين بها قال أبو عبيدة رضي الله عنه قل يا أبا عمرو فأنت عندنا ناصح للمسلمين قال فدنا من الأمير أبي عبيدة وسارره وقال له اصلح الله الأمير اعلم أن خبرك عند هؤلاء منذ نزلت على هؤلاء اللئام وهذا البطريق أشد منعة وأعظم جولة ممن كان قبله وقد علم بفتوح بعلبك وانك لا بد ان تنزل على حصارها وقد استدعى بالطعام والعلوفة وآلة الحصار وقد شحنا بالرجال وما ترك في رساتيقها وقراها طعاما الا وقد خزنوه عندهم ما يكفيهم أعواما وان نحن حاصرناهم يطول الامر كما طال أمرنا على دمشق والرأي عندي ان تخدعهم بخديعة وتحتال عليهم بحيلة فان تمت لنا عليهم الحيلة فتحنا المدينة عن قريب إن شاء الله تعالى قال أبو عبيدة رضي الله عنه وما الحيلة عندك يا ابن عمرو فقال الرأي عندي ان نكتب إلى هؤلاء القوم ان يجبرونا بالزاد والعلوفة ونضمن لهم ان نرتحل عنهم إلى أن يفتح الله تعالى عليك غير مدينتهم ونرجع إليهم وقد قل زادهم وانتشروا في سوادهم وتفرقوا في أمصارهم وتجاراتهم ونشن عليهم غارة فنملك ما ظهر منهم ويهون عليك أمر من بقي في حمص مع قلة الزاد والعلوفة فقال أبو عبيدة أصبت بالرأي يا ابن عمرو اني سوف افعل ما ذكرته ونرجوا من الله التوفيق والعون ثم دعا أبو عبيدة رضي الله عنه بدواة وبياض وكتب جواب الكتاب يقول فيه بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فاني رأيت في قولك صلاحا لنا ولكم ولسنا نريد البغي على أحد من عباد الله عز وجل وقد علمت أن عسكرنا كثير وخيلنا وابلنا كثير فان أردتم ان نرتحل عنكم فابعثوا لنا ميرة خمسة أيام وأنتم تعلمون ان الطريق الذي امامنا بعيد وما نلقي بعدكم الا كل حصن منيع وأبواب حديد فإذا مونتمونا رحلنا عنكم إلى بعض مدائن الشام فإذا فتح الله علينا بعض مدائن الشام رجعنا عنكم كما زعمتم فان فعلتم ذلك كان صلاحا لكم وطوى الكتاب وسلمه إلى الرسول وسار إلى حمص فلما قرأ هربيس الكتاب فرح بذلك وجمع الرؤساء والرهابين وقال لهم اعلموا ان العرب قد بعثوا يطلبون منكم الزاد والميرة حتى يرحلوا عنكم فان العرب مثلهم كمثل السبع إذا وجد فريسته لم يرجع إلى غيرها وهم قد لحقهم الجوع في مدينتكم وإذا اشبعناهم انصرفوا عنا فقالوا أيها الأمير نخاف من العرب ان يأخذوا الزاد والعلوفة ولا يرحلوا عنا فقال انا نأخذ لكم عليهم العهود والمواثيق انكم إذا امرتموهم يرحلون عنكم فقالوا افعل ما بدا لك واستوثق لنا ولك قال فبعث هربيس واحضر
(١٤٩)