فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١١٤
قال الواقدي واتفق أهل قنسرين والبطريق على صلح المسلمين وفي قلوبهم الغدر قال وان لوقا البطريق دعا برجل من أصحابه اسمه إصطخر وكان قسيسا عالما بدين النصرانية فصيح اللسان قوي الجنان يعرف العربية والرومية وقد عرف الدينين اليهودية والنصرانية فقال لوقا يا ابانا سر إلى العرب وقل لهم يصالحونا سنة كاملة حتى نبعد القوم بالحيلة والخداع ثم كتب الكتاب إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه فقال بعد كلمة كفره اما بعد يا معاشر العرب ان بلدنا منيع كثير العدد والرجال فما تأتونا من قبله ولو أقمتم علينا مائة سنة ما قدرتم علينا وان الملك هرقل قد استنجد عليكم من حد الخليج إلى رومية الكبرى ونحن قد بعثنا إليكم نصالحكم سنة كاملة حتى نرى لمن تكون البلاد ونحن نريد منكم ان تجعلوا بيننا وبينكم علامة من حد ارض قنسرين والعواصم حتى إذا همت العرب بالغارة بدت العلامة تريكم حد ارضنا ونحن نصالحكم خفية من الملك هرقل لئلا يعلم فيقتلنا والسلام ثم خلع على إصطخر خلعة سنية وأعطاه بغلة من مراكبه وعشرة غلمان وسار حتى وصل إلى حمص فرأى الأمير أبا عبيدة رضي الله عنه يصلي بالمسلمين صلاة العصر فوقف إصطخر ينظر ما يفعلون ويعجب من ذلك فلما فرغوا من صلاتهم ونظروا إلى القسيس وثبوا اليه وقالوا له من أنت ومن اين أقبلت فقال انا رسول ومعي كتاب فمثلوه بين يدي أبي عبيدة فهم القسيس بالسجود له فمنعه أبو عبيدة رضي الله عنه من ذلك وقال له نحن عبيد الله عز وجل فمنا شقي ومنا سعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض فلما سمع إصطخر ذلك بهت وبقي لا يرد جوابا وهو متعجب مما تكلم به الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه فناداه خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال له ما شأنك أيها الرجل ورسول من أنت فقال إصطخر اانت أمير القوم فقال خالد لا بل هذا أميرنا وأشار إلى أبي عبيدة رضي الله عنه فقال إصطخر انا رسول صاحب قنسرين والعواصم ثم اخرج الكتاب ودفعه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه فأخذه وقرأه على المسلمين فلما سمع خالد بن الوليد رضي الله عنه ما في الكتاب من صفة مدينتهم وكثرة عددهم ورجالهم وتهديدهم بجيوش الملك هرقل حرك رأسه وقال لأبي عبيدة وحق من أيدنا بالنصر وجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الطاهر ان هذا الكتاب من عند رجل لا يريد الصلح بل يريد حربنا ثم قال لاصطخر تريدون ان تخدعونا حتى إذا جاءت جنود صاحبكم ورأيتم القوم وقد جاءتكم نقضتم صلحنا وكنتم أول من يقاتلنا وان رأيتم الغلبة لنا هربتم إلى طاغيتكم هرقل فان أردتم ذلك فنواعدكم
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»